طباعة

صنمية الصورة في الفضائيات العربية

Posted in الثقافة


عندئذ لم تعد الصورة تعبر عن وضعية وعن موقف يبديه الإنسان بل أصبح السمع والرؤية أهم من أي عنصر حركي حسي آخر وبالتالي يقع المرء في وضع فصامي وتتفكك أية علاقة تواصل كان يقيمها مع العالم. هكذا كرست الفضائيات العربية حالة الفصام التي يشهدها الإنسان العربي المسلم في هذا العالم وأوقعته في حالة من الاغتراب الروحي وأبعدته عن الوجود في العالم بخلطها بين الأزمنة وبين الخيالي والافتراضي والواقعي،إذ هناك نوع من الفضائيات ليس له من هدف غير إعطائنا صورة لما نؤمن به، الصورة الافتراضية التي تعكسها المرآة. إن هذه الصور تدفع المرء إلى التخلي عن الإيمان بهذا العالم البشع والمظلم وتجعله في حاجة إلى الإيمان بعالم افتراضي غريب يخضع للصدفة والحظ تحيكه قوى الزيف وهو من نسج الخيال.   
الحل عند دولوز هو الانتقال من الصورة الحركة إلى الصورة الزمن،فالزمن هو ما ينبغي على الصورة المرسلة من قبل الفضائيات أن تبرزه وتجعله مرئيا بشكل مباشر ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالانتقال من الصورة العضوية إلى الصورة البلورية التي تجعل ماهو غير مرئي-الزمن- مرئيا. والبديل ليس صورة الزمن الخالص بل الصورة البلورية، صورة الزمن المعيش التي تتكفل بالإجابة عن سؤال:كيف يصبح إتيان شيء جديد أمرا ممكنا؟،  من هنا لابد أن تعبر الصورة البلورية عن الزمن المتسلسل الذي يأتي بالتحولات الجذرية التي من خلالها تنتقل إمكانية حياة إلى إمكانية أخرى دون واسطة حيث لا فرق بين ما يحدث قبل وما يحدث بعد. من هذا المنطلق لابد أن تتخلى الفضائيات عن النموذج العقلاني التقليدي وتعمل على خلخلة وتفكيك الصورة القديمة للفكر لكونها صورة سلفية دغمائية وتعمل على خلق صورة مبتكرة غير متصلة. يقول دولوز:"صورة الزمن المباشرة هي الشبح الذي يطارد السينما دائما لكن السينما الحديثة تحاول تحسين هذا الشبح"[4]
صفوة القول أن الصورة لا تكون نافعة إلا إذا كانت غير سلفية أي غير استنساخية وغير مقلدة سواء للماضي أو الحاضر ومرتبطة بالزمانية وأبعادها المختلفة وذلك عندما تحدث نوع من التكامل بين الرؤية بالعين وبقية الحواس والملكات المعرفية وتشرع في نقد العقل التلفزي-التكنولوجي وتكف عن اختزال العالم في المشهد بل تكون مجرد مسافة نقدية يتخذها الرائي من أجل التفطن باللامرئي في المرئي،وكذلك بالعمل على صنع صورة منتجة خلاقة وليس صورة مستهلكة منمطة مخدرة،صورة تحير وتغير لا صورة تسكن وتحبس من خلال التمييز بين صورة تأتي من الخارج وصورة تترسخ في الداخل وفك أي ترابط وتأثير بينهما. كما أن الفضائيات العربية لها دور كبير في تربية الأجيال وتدارك الفراغ الذي تتركه نظم التربية والتعليم القاصرة وعوض أن تنشر ثقافة  التغريب والتقليد وتتنافس على تنظيم مسابقات ستار أكاديمي وعروض الأزياء والموضة عليها أن تتنافس على نشر فن الالتزام والاتزان وترغب الشبيبة في فكر التنوير وتستقطبهم نحو التكاتف واليقظة والتسلح بالوعي التاريخي وتحسسهم بقيمة الوقت والمال والعمل وتلك هي رسالتها الحقيقية.
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed