طباعة

سوء التمثيل الإسلامي في الغرب

Posted in الثقافة

islamتوطئة.
في الحقيقة يحاول هذا المقال إثارة العديد من الإشكاليات التي تقف وراء سوء وتردي التمثيل الإسلامي في الغرب، رغم أن الجالية الإسلامية التي تعيش هنالك تقدر، لا نقول بالآلاف وإنما بالملايين، ورغم أن الدين الإسلامي كما أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم، يملك كل الإمكانيات والأخلاقيات التي بتحققها سواء في الفرد أم المجتمع يتحقق حسن الظن والقبول بذلك الدين من قبل الغير. لكن الرياح تهب بما لا تشتهيه السفن، والوضع في الغرب يحبل بما لا ترتضيه الصحوة الإسلامية الهادفة والمنفتحة التي تحاول جاهدة إيصال الوجه النقي والحقيقي للإسلام إلى الغرب، لكن وا أسفاه! هذا الوجه لا يصل إلا مشوهاً ومزيفاً من جراء مجموعة من الأسباب والأوضاع ذات الملابسات والتركيبات المختلفة؛
منها ما لا نملك زمامه بأيدينا كتلك الأسباب الدولية التي تشكلها وتنسقها السياسة الغربية بدعم من الترسانة الإعلامية الضخمة التي لا شأن لها إلا تشويه وجه الإسلام ونعته بشتى مصطلحات وصفات العنف والإرهاب، ويمضي في هذا المنحى مجموعة من العرابين وسماسرة السياسة المحسوبين على الإسلام. و من الأسباب ما يمكن أن نتحكم فيه بشكل أو بآخر، وبذلك يتسنى لنا توضيح الوجه الحقيقي للإسلام، بغض النظر عن دور العلماء والإعلام الإسلامي الموجه إلى الغرب، يمكن الإشارة إلى دور المسلمين المقيمين بالغرب الذين بإمكانهم تمثيل الإسلام خير تمثيل، عن طريق نشر مكارم أخلاقهم من احترام للآخر، واحترام للمواعيد، والصدق في القول والعمل، والتشبث بتعاليم دينهم مع الانفتاح الإيجابي على ثقافة الغرب، خصوصاً على تلك الجوانب التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، والدعوة إلى الإسلام التي تبدأ من الدعوة إلى كأس شاي وإفشاء التحية وغير ذلك من الأمور التي تبدو حقيرة لكنها ذات تأثير لا حدود له.

لكن المتمعن في حال المسلمين اليوم في الغرب، يلاحظ أن مثل هذه الجوانب السمحة للإسلام تكاد تنعدم لتحل محلها سلوكيات مذمومة كالسرقة، والتزوير، والعداء لكل ما هو غربي، واستغلال عواطف الأجنبيات من أجل تحقيق الوضعية القانونية، ونحو ذلك من الأخلاق المنحرفة التي لا تمت بصلة إلى الإسلام. لذلك يبدو لنا أن أكبر سبب مسؤول عن تقهقر وضعية الإسلام في عيون الغربيين، وتراجع قيمة المسلمين في المجتمع الغربي، يكمن في ذلك الجانب الذاتي الذي إن غيره الإنسان وتنازل عن كبره وغروره، تغيرت معه الجوانب الواقعية التي تحكم علاقة المسلمين بأنفسهم وبالآخرين، ولا أحد يخفى عنه قول الله تعالى:{لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}؛ آية كريمة تتردد على ألسنة المسلمين ليل نهار، لكن ما أرادوا بعد إدراك مغزاها. إذاً فالخلل الكبير الذي ينيخ بكلكله على المسلمين عامة، يتجلى في تلك النفس التي لا تريد أن تتغير من السئ إلى الحسن أو من الأسوأ إلى الأحسن.
على هذا المضمار،إذاً، يتشكل هذا المقال تارة محاولا التساؤل بجرأة حول تناقضاتنا الرهيبة التي لا يقبلها عقل إنسان عاقل وبالأحرى يقبلها عقل مسلم عاقل، وتارة أخرى مشيرا إلى الأخطار المحدقة بنا وبأجيالنا القادمة ونحن نواجهها بأيد مكتوفة وببرودة دم.

كبرياء الغرب وانخداع المسلمين.

بالرغم من أن العالم الغربي عموماً والمنظومة الأوروبية بخاصة، تعتبر نفسها قد قطعت أشواطاً جد طويلة على درب حقوق الإنسان، من مساواة وحق التعبير وحرية التدين وتوفير العيش الكريم لكل أفراد المجتمع وما إلى ذلك من الحقوق المفقودة في العالم الثالثي بما فيه العالم الإسلامي والعربي. بالرغم إذن من هذه المكاسب التي تزيد من درجة صلف الغرب وكبريائه، فإن ثمة أموراً خفية يندى لها الجبين، ويتجمد لمجرد سماعها الدم في العروق، بل وتنهار قيمة وكبرياء هذا الأقنوم في أعين العقلاء. وهي في الحقيقة أمور لا يعلمها إلا من يعيش داخل هذا الغرب ويعايش تحولاته وتبدلاته الاجتماعية والثقافية والأخلاقية وما إلى ذلك. أما من يعاين هذا الغرب من الخارج فلا تبدو له إلا الأشياء الجميلة والخلابة التي تستهوي القلب وتأسر اللب؛ وحتى ولو أنك وصفت له الجانب السلبي والرهيب من هذا العالم فلا يصدق روايتك ولا يولي اهتماما لكلامك. وحتى ولو أنه يرى بأم العين ما تفعل أيدي الغرب في العراق وغير العراق، الذي تخبط فيه الجنود الأمريكية والمتأمركة خبط عشواء، لا تهمها حقوق الإنسان التي ُيتبجح بها في المحافل العالمية، وُتعد لها المؤتمرات تلو المؤتمرات بمال فقراء الجنوب وبنفط العرب والمسلمين الذين يرسلون أبناءهم قهرا وقسرا نحو هذا الغرب لينظفوا مراحيضه ودورات مياهه، حتى ينالوا لقمة العيش التي فقدوها في ديارهم.


ما هي يا ترى تلكم الأمور الخفية؟ وكيف يمكن لهذا الغرب الذي صرف دهورا متتالية في بناء صرح حضارته، أن تمسخه تلك الأمور وتنال من صلفه وكبريائه؟ وكيف نزن هذه الأمور بميزان قد لا يناسب شكل ومحتوى هذه الموزونات نحن المبهورين بمكتسبات ومخترعات الغرب منذ الوهلة الأولى؟ ألسنا نعيش في عمق التناقض مع ذواتنا وأفكارنا؛ فتارة نتماهى مع الآخر، وتارة أخرى نجعله مرمى لألسنتنا اللاذعة فنصوب إليه هجاءنا أو شتائمنا لما نريد البكاء على أطلالنا أو حظنا أو هزائمنا الميدانية أو إحباطاتنا النفسية؟

هذه التساؤلات وغيرها ذات الطابع الوجودي والمنحى المصيري تحيل بشكل أو بآخر على ما هو حضاري في سياق جدلي متداخل ومتعدي؛ فالأمور التي تبدو واقعية ويومية روتينية تساهم في بناء ما هو ثقافي وتشكيل قسمات كل حضارة إنسانية في زمان ومكان معينين. فإذا كانت ثلة من رجال الفكر تعتقد أن العد العكسي للحضارة الغربية قد بدأ، فإن الإنسان العادي الذي يقارن بين ما وصل إليه الغرب الذي هاجر إليه، وبين ما يتخبط فيه وطنه من تقهقر وتخلف ومشاكل، يرى أن رأي المفكرين مجرد هراء في هراء، لأنه لا يؤمن إلا بالملموس والمشاهد، أما ما تشير إليه التنبؤات والاستقراءات فهو من باب الأحلام وأضغاثها. ليس هذا هو حال الإنسان العادي فقط، لكنه أيضا هو حال الحاكمين والأجهزة المسيرة لأغلب دول الجنوب؛ فهذه نتيجة منطقية تعبر عن درجة وعي المجتمع برمته حيث الحاكم حصيلة لأداء واختيار المجتمع ومكوناته البشرية والمؤسسية.

هكذا نجد أنفسنا أمام ثنائية ضدية؛ نقبل الذهاب إلى الغرب وننفر من أفكاره، نحلم بثرواته ومادياته ونرفض سلوكاته وقيمه، نتسول عبر أرجاء عواصمه ونتلقى عطاياه وهباته وفي نفس الوقت نتحداه بالقيل والقال والشعارات ولا نعترف بالجميل، إننا حقا أمام ازدواجية عويصة في أفكارنا وتصرفاتنا، تجعل منا مخلوقاً ذا وجهين أو شخصيتين: ترانا ألسنا بدأنا نخرق الشرعة التي وضعها وسنها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فنعامل الآخر على أساس من البغض والشحناء، فنسئ ليس لذلك الآخر وإنما لأنفسنا وهويتنا وديننا الذي يصير في أعين الآخرين مجرد أداة عنف واستغلال وما إلى ذلك؟ ألسنا بدأنا ندخل في دائرة النفاق الذي نهانا عنه الإسلام فنعامل غير المسلم بحقارة وحطة ونحن نعيش من ماله ومساعداته بل وفي دياره؟ ألم نقبل بالقوانين الغربية عندما قبلنا الاستقرار عنده والتجنس بجنسيته، والآن نربي أجيالنا على بغض هذا المضيف الذي فتح لنا باب دولته وأكرمنا وأحسن ضيافتنا؟ ألم نتعلم بعد التعامل بسماحة الإسلام وتسامح نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى نتمكن من إيصال الجانب السمح من الإسلام، كما فعل التجار المسلمون الأوائل الذين تمكنوا بسماحة الإسلام وقيمه النبيلة من أن يجذبوا إلى الإسلام أقواما عديدة ما زالت تتوارث الإسلام وتذود عنه وتحفظ حماه خصوصا بأرخبيل إندونيسيا وما جاورها؟


أعود وأقول إن هذا الخطاب ليس موجه إلى الآخر بقدر ما هو موجه إلينا وإلى ذواتنا، قصد تحقيق ولو أدنى درجة من نقد الذات. وهو كذلك لا يسعى إلى الإعلاء من شأن الغرب أو التخفيض من شأننا أو العكس، بل يروم الكشف عن حقيقة ما يجري في علاقتنا مع الآخر ولا نعي ذلك إلا بعد فوات الأوان. كما أنه يحاول فهم حقيقة التناقض والتضاد الذي بدأ يعتري قيمنا وهويتنا، فصرنا نسلم كل التسليم بأمور لا يقبلها الدين ولا يستسيغها العرف.

أخلاق الغرب وحيرة المسلمين.

في بداية هذا المقال أشرنا إلى أن ثمة أموراً خفية بدأت تنخر الحضارة الغربية، لكن لم نعلنها بعد إلا تلميحاً ، هي أمور تقترن في أغلبها بالجانب الأخلاقي الذي تميع كل التميع، فصارت أمور كالحياء والعفة والقناعة وهلم جرا، تنعدم من القاموس الأخلاقي الغربي، بل والمرهب بدأ ذلك يتسرب إلى قيمنا الإسلامية بشكل سريع إلى درجة أن الجيل الثالث من الجالية الإسلامية المقيمة بالغرب أضحى لا يعلم من قيم دينه ومعالم ثقافته إلا الأعياد بألبستها الجميلة وحلوياتها اللذيذة.

من هذه الأمور استوقفتني ظواهر شتى تشيع بسرعة البرق، مثل اللواط الذي اعترفت به دول ومجتمعات غربية عدة، بل وتعاطف معه الكثير من رجال الكنيسة، فأصبحت تنتشر المهيآت والمنظمات التي تدافع عن اللواطيين، فآخر الأخبار بهولندا تشير إلى أن الإحصائيات تقول إن ثمة تصاعداً كبير للعداء الذي يمارس على اللواطيين خصوصًا من لدن المسلمين، حيث يزعمون أن الفتوى التي ضمنها الإمام المغربي خليل المومني إحدى خطبه والتي مؤداها؛ أن اللواط مرض قد يعادي باقي المجتمع بما فيه المسلمين المقيمين بالغرب ساهمت في نشوء ذلك العداء وانتشاره، كما أن ترجمة كتاب منهاج المسلم لأبي بكر عبد القادر الجزائري له باعه في عداء المسلمين للواطيين، وهم لا يعلمون أن هذا العداء قائم منذ ظهور الإسلام، الذي يحرم مثل هذا السلوك البوهيمي الشنيع الذي لا يقبله المنطق السليم. زد على ذلك أن الإسلام يعادي ويحارب كل من يخرج عن طاعة الخالق سبحانه وتعالى. إلا أن وقوع مثل هذه الأمور في الغرب تتخذ أبعادا أخرى ليست كالتي قد تتخذها داخل الواقع الإسلامي لسببين: أولهما؛ إن فعل اللواط في المجتمع الإسلامي ممنوع أصلاً، لذا فمرتكبه معاقب من طرف الشريعة الإسلامية، ومرفوض من قبل المجتمع برمته. أما في الغرب فالقوانين الوضعية وأحياناً حتى المسيحية أو اليهودية تبارك مثل هذا الفعل الشائن، والمجتمع يقبل فاعل هذا الفعل ويتعاطف معه، فهو يملك الحرية التامة و ويستطيع فعل ما يحلو له بعقله ونفسه وجسمه ونحو ذلك. والسبب الثاني هو أن وجود المسلم بديار الغرب مشروط بالقوانين الغربية وبأخلاق الغرب وعاداتهم. فكيف له أن يشق عصا الطاعة وينكر الجميل و يخدع مضيفه الذي وفر له المأوى والمأكل والمشرب الذي لم يوفره له مجتمعه الذي يحسب على الإسلام.


هكذا يجد ذلك المهاجر المسلم المقيم بديار الغرب نفسه متراوحاً بين نارين؛ هل يوالي تعاليم دينه، فيطبقها بالتمام، فيطلق اللحية، ولا يحيي مديرة عمله باليد، ويعادي اللواطيين فيبصق في وجوههم ويلعنهم وهكذا، فيسقط في دوامة البغض لكل ما هو غير إسلامي، لكن في ذات الوقت يسعى إليهم بكل السبل لنيل لقمة العيش، فيراوغ ويداور وأحياناً يكذب قصد نيل مساعدة اجتماعية أو تعويض أو ما شابه ذلك. وإذا ما استفتى مفتيا عن حالته وحيرته نصحه بالعودة إلى وطنه، أو الاستقرار في أي بلد إسلامي، وكيف السبيل إلى ذلك وهو مرفوض في بلده. والبلاد الإسلامية الغنية لا تسمح بالهجرة إليها إلا للأوروبيين والأمريكيين والآسيويين.

هل يأخذ من دينه جانب التسامح، فيحترم هؤلاء الغربيين الذين عاملوه بالمعروف فعاش بينهم معززاً مكرماً عندما رفضه إخوانه وعشيرته، فيغض الطرف عن تلك الأمور الشنيعة التي تقترف في الغرب، فلا يكترث بها ما دامت لا تسئ إليه ولا إلى دينه؛ فهو يصلي ويصوم ويزكي ويحج، و لكنه يحيي مديرة عمله باليد، ويحترم جاره اللواطي وما إلى ذلك. لكن عندما يفكر في المستقبل تأخذه الرهبة ويتملكه الفزع؛ ماذا سيكون مصير أبنائه الذين يتلقون هذه القيم الغربية المنحرفة في المدرسة من معلم لواطي، ومع تلاميذ منهم نسبة لا يستهان بها شاذة جنسيا، حتى إن هذه الأمور المرفوضة شرعاً عندنا أصبحت جد عادية في الغرب، وعما قريب قد تصبح كذلك عند أبناء المسلمين فيمارسوها ببرودة دم، بل وإن كثيرا منهم لا محالة سائر على هذا الدرب، إلى درجة أن بعض المصادر تؤكد
بأن ثمة جمعيات لها صلة بالسلطة تشجع على نشر ظاهرة اللواط بين أطفال وشباب المسلمين.

تقف وراء نشر مثل هذه الظواهر الشاذة ترسانة من الأجهزة المختلفة التي تستعمل شتى الآليات إعلامية كانت أم تربوية أم سياسية أم ثقافية أم غير ذلك، وفي ميادين ومجالات متنوعة ابتداء من الشارع ومروراً بالمؤسسات العامة ووصولا إلى المدرسة، بغض النظر عن ذلك الكم الهائل من المنظمات والجمعيات المرخص لها حكومياً بإشاعة الرذيلة والشذوذ، والمدعمة ماديا لممارسة أنشطتها الفاضحة وتنفيذ برامجها المدمرة، ومن بين هذه الأنشطة ذلك المهرجان السنوي الذي يحتفل به اللواطيون كل صيف في شوارع ومرافق وأودية أمستردام، حيث يتعرى الكل أمام الملأ ممارسين أغرب الحماقات والسخافات بدون وازع أو رادع، بل و تساهم السلطات في تحميس هؤلاء عن طريق الترخيص لهم بالقيام بمثل هذه الأنشطة وتعزيز الجانب الأمني أثناء هذه الأنشطة، وتمكينهم من التغطية الإعلامية اللازمة، ناهيك عن الكم الهائل من الناس المتتبعين لهذا المهرجان بشغف لا ينطفئ وظمأ لا يروى، حيث ينعدم الضمير الإنساني السليم الذي يرفض هذا الفحش البين.


تنضاف إلى ذلك تلك الملاهي والدور الحمراء العلنية أم الخفية التي تعلن فيها الرذيلة على مرأى من الدولة وأجهزتها، حتى أن الكثرة الكاثرة من ذوي القرار وأصحاب الحل والعقد لهم دورهم الخاصة، التي يزاولون فيها كل أشكال الشذوذ والبوهيمية واللاإنسانية، لهذا يبدو هذا الفعل عبر الشارع الغربي عموماً ، والهولندي خصوصا جد عاد، فهو يشكل القاعدة الذهبية في مقابل الاستثناء، الذي يمكن إطلاقه في هذا الصدد على كل إنسان سوي يرفض الانحراف عما هو طبيعي ومنطقي، قد يقول قائل إنما هذا كلام إنشائي لا أساس له من الصحة والواقعية، ولا يملك الدليل والحجة التي تعضده.
بغض الطرف عن الوقائع الهامشية التي تلتقطها وسائل الإعلام المختلفة الأشكال، والتي تكون أحيانا عرضة للمزايدة أو المناقصة، للتركيب أو التشذيب... أدلك على ما هو ثابت ينقل إليك الصورة التي أحاول رسمها وتوضيحها منذ البداية بكل أبعادها المستفزة والمؤلمة والمفضحة والناطقة بما آل إليه بنو البشر وهم في عز تطورهم وازدهارهم الفكري والثقافي والصناعي والتكنولوجي وما إلى ذلك، إذ ولجوا مرحلة تاريخية انطبعت بميزات لم يسبق لها نظير، فالكومبيوتر والإنترنت أحدثا ثورة معلوماتية هائلة يمكن وصفها بذلك النزيف الفكري والمعرفي الذي لا يريد أن يتوقف، حتى إن تراكم المعارف والمعلومات فاق كل الحدود، لكن للأسف هذا النزيف الإيجابي لم يواكب إلا بنزيف آخر سلبي حيث ينزف إنسان الجنوب جوعا ودما وغبنا واضطهادا وتمويتا بل وأقسى من ذلك. لم أسق هذا الكلام المرير إلا لأن أجعل لك من الإنترنت دليلا قاطعا، ما دام يشكل آلية ناجعة لأولئك المنحرفين؛ آلية ذات حدين: فهم يستخدمونها من جهة لنشر فضائحهم عبر العالم قاطبة، ويستعملونها من جهة أخرى للتواصل مع الآخر، وهذا التواصل يكون بمثابة نسيج العنكبوت؛ فهو فخ ذهبي مخادع لصيد الفرائس، وخطاب التواصل هنا يركز بشكل مكثف على رافضي الشذوذ الجنسي واللواط ومحاربيه من المتدينين والعقلاء، وكما هو معروف فأكبر نسبة من هؤلاء الرافضين تتجلى في المسلمين الذين يدينون بعقيدة تعادي مثل هذا السلوك وما يشابهه، فأحيانا وأنت تتجول بين أروقة مكتبات أمستردم العمومية تفاجأ بوجود مطبوعات ومنشورات مكتوبة باللغة العربية، تخاطب المراهق والشاب المسلم بأسلوب رهيف ومقنع، يوضح أن اللواط سلوك جد عادي لا يسئ إلى الدين ولا يعاديه، فمن خلال ممارسته يحقق الإنسان المتعة والحيوية، ويوفر ذلك المنشور معلومات وعناوين خطيرة تساعد ذلك المراهق بشكل سريع على إيجاد المساعدة اللازمة إن هو يرغب في اقتحام هذه التجربة.


ناهيك عن الممارسات اللاأخلاقية الأخرى التي قد يعادل تأثيرها أو يضاهي ظاهرة اللواط مثل السحاق، والمقصود به تلك العلاقات الجِماعية التي تجمع المرأة بالمرأة، حيث يصبح بمقدور المرأة التخلي عن الرجل، ليس على مستوى النفقة التي يوفرها لها المجتمع الغربي، أو على مستوى شعور الأمومة الذي تعوضه بتبني أطفال الغير الذين يستوردون في غالب الأحيان من الدول الفقيرة، أو غير ذلك، وإنما على مستوى فطرة الجماع والسكن الذي يعتبر قانونا إلهيا به يتحقق توازن الإنسان والطبيعة والكون، لكن هؤلاء المتمردين الذين يصرون على نكران وجود الله تعالى، أبوا إلا أن يخرقوا هذا القانون الإلهي، ويختلقوا لأنفسهم قوانينا هي من وحي الشيطان.
ينضاف إلى ذلك ظاهرة الاغتصابات التي استشرت في الآونة الأخيرة بشكل مرهب، وتجدر الإشارة هاهنا إلى أن المقصود الاغتصابات في هذا الصدد ليس تلك الممارسات التي نعهد في مجتمعاتنا الإسلامية أو العربية، كأن يختطف إنسان ما امرأة فيمارس عليها التحرشات الجنسية أو ما إلى ذلك، بل تلك الاغتصابات المنظمة التي تنفذ بكل برودة على أطفال وبنات في عمر الزهر، لا يدركون بعد معنى ما يمارس عليهم، أو على صبيان في سن المراهقة مقابل إغراءات مالية. فآخر ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة من أنباء لا يصدق عاقل من العقلاء أنها تحدث بهذه البشاعة في هذا المجتمع الديمقراطي، يتحدد في حدثين مهمين؛ أولهما فحواه أن المدير المالي لفريق ب س ف إندهوفن الهولندي قام بممارسة الجنس على صبيان تتراوح أعمارهم بين ثنتا عشر وخمسة عشر سنة مقابل مبالغ مالية، مستغلا بذلك منصبه في الفريق غير مكترث بإصابته بفيروس الإيدز الذي قد يعادي أولئك الصبيان، وأثناء المحاكمة حكم عليه القاضي بسنتين سجنًا. والحدث الثاني بطله رجل هولندي عجوز في سن السبعين مارس في صمت ولزمن طويل الاغتصاب على حفيداته الثلاث اللائى لم يتجاوزن حينذاك سن الطفولة، والآن بعدما كبرن وأدركن ما كان الجد يزاوله عليهن كشفن أمره فبادرن بتقديم الشكوى إلى المحكمة.
هذا بالإضافة إلى ظواهر عدة كالإدمان على مختلف أنواع المخدرات والمسكرات التي خلفت قطيعا من المشردين والمهمشين والمتسكعين عبر المدن الغربية الذين تتصاعد منهم رائحة الموت البطيء، والمجتمع لا يني يعالجهم بجرعات من المخدرات. نحو ذلك من الظواهر المرضية التي تنخر الجسد الغربي في خفاء. لذلك ارتأينا منذ البداية نعت هذه الأمور بالخفية؛ فهي ظاهرة للعيان ولكن مفعولها وسريانها خفي، حتى يأتي الدور على هذه الحضارة المتجبرة والمتغطرسة كما أتى على مثيلاتها في الأزمنة الغابرة، وفي هذا الشأن يبدو الخطاب القرآني جلي غاية الجلاء، حيث يقول الله عز وجل في سورة الأنعام، الآية السادسة:{ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليكم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وانشأنا من بعدهم قرناً آخرين.}


تحديات في طريق المسلمين.

ماذا أعددنا نحن المسلمين، سواء الموجودين في بلدانهم الأصلية أم المقيمين في الغرب لمواجهة مثل هذا الغزو اللاأخلاقي الفاحش لأجيالنا وبيوتنا؟ هل يعي كل المسلمون بضراوة وخطورة مثل هذا الاكتساح الشذوذي الذي بدأ يصير عاديا في أعين الكثيرين، وإذا كانوا على وعي بهذا كيف يربون أبناءهم تربية صالحة تجنبهم الوقوع فريسة لهذا العنكبوت العاتي، علما بأن الغالبية العظمى من المسلمين المقيمين في الغرب شغلهم الشاغل هو جمع الثروة، مما يدفعهم إلى تشجيع أبنائهم المراهقين على العمل، فيكونوا بذلك أكثر عرضة للأخلاق المنحرفة ما دام أنهم؛ أولا لم يتلقوا التربية اللازمة، وثانيا كونهم منذ بدء إرهاصات المراهقة وهم منفتحون على عالم الشارع والموضة والاختلاط وما إلى ذلك، لا عالم المسجد والدراسة، زد إلى ذلك وفرة المال في يد المراهق ومنحه الحرية التامة دون أي رقابة أو متابعة تجعله يسقط في كل المهاوي ويقترف كل الممنوعات، والإحصائيات التي تظهر من حين إلى آخر في الإعلام الغربي خير دليل على صحة هذا الطرح، حيث نسبة مدمني المخدرات والشذوذ الجنسي والإجهاض ونحو ذلك بين أبناء المسلمين بهولندا تتصاعد بشكل ملحوظ ولافت للنظر؟
هل مؤسساتنا الثقافية والدينية على دراية بما يخططه هذا الأخطبوط وراء الكواليس لأبناء وبنات المسلمين، وعلى علم بالتحولات التي بدأت تجرأ على طبيعة تفكير النشء الذي راح يتخلى عن الكثير من عادات آبائهم ومكونات هويتهم الدينية والثقافية، ويمتطي على مرأى ومسمع من الأباء والمسؤولين صهوة الموضة الغربية الصارخة، فيستبدل طعم الكسكسى المغربي بنكهة الماكدونلز، فلا يعرف من لغة أجداده إلا العبارات الفاحشة، ولا يأخذ من دينهم إلا فرحة الأعياد وقس على ذلك، بالطبع إن معظم ممثلي ثقافتنا الإسلامية والعربية ليس همهم إلا استضافة المطربين والمسرحيين قصد إعطاء صورة مشرفة عن ثقافتهم، وتبيان أن هذه الثقافة جد غنية ليس بالصلاة والصيام فقط، ولكن كذلك بالتبرج وهز البطن والتمثيل وهلم جرا، مما يمكنهم من نيل رضا السلطات الغربية التي تغدق عليهم المنح والجوائز والمساعدات المالية، أما مسؤولينا الدينيين الذين يتموقعون في المساجد فإن الكثير منهم لا يشغلهم إلا الصراع على مركز القرار في المسجد وجمع المال بكل الأساليب؟


خلاصة عامة.

هذا غيض من فيض، أردنا من خلاله نقل صورة ولو جزئية لحالة المسلمين في الغرب التي غدت بمعضلاتها وتجلياتها ومكوناتها إشكالية الإسلام المعاصر التي تستعصي على الحل، وهي للأسف صورة قاتمة لا تمثل الإسلام تمثيلا يليق به، لذلك ليس بمكنتها أن تواجه التحديات التي يواجهها المسلمون بالغرب وفي هذا الزمن الحساس والحرج، هذا لا يعني بشكل أو بآخر نفي أي إسهام إسلامي داخل المجتمع الغربي، بل الاستفسار حول مواطن خلل ولا فعالية هذا العطاء الإسلامي، لماذا تتراجع الأخلاق الإسلامية لدى المسلمين الأصليين في الوقت الذي يقبل الغربيون وغيرهم على الإسلام اعتناقاً واطلاعاً؟ لما ذا تصرف الأموال الباهضة والأوقات الطوال من أجل الدعوة الداخلية بين المسلمين؛ كل لمذهبه أو حزبه أو جماعته والآخر ينتظر مثل هذه الدعوة؟ لماذا لا ينتهج المسلمون أي استراتيجية واضحة المنطلقات والمعالم والأهداف في مشاريعهم الثقافية والاقتصادية وغيرها، يبينون من خلالها للآخر كفاءتهم العملية وقدرتهم التنظيمية؟ لماذا لا يستعمل المسلمون في أغلب الأحيان مساجدهم ومراكزهم الثقافية كواجهات متينة لتمرير وتقديم خطابهم الديني السمح والمنفتح، لا كزوايا أو أديرة للتخفي فيها عن أعين السلطات والإعلام الغربي؟ لماذا يتخلى المسلم عن الأجنبية التي ساعدته كثيراً وطويلاً في الوقت الذي تعتنق فيه هي الإسلام ويستكمل هو الوضعية القانونية؟ من الضحية هنا إذن؛ أليس هو الإسلام والمسلمون الشرفاء؟

المصدر: www.akhbar.khayma.com

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed