البوابة
الإحتباس النفسي
هل نبرئ ذمتنا بإخراج بضعة جنيهات نتبرع بها للمقاومة ؟ ؟ ... هل نكتب مقالا ناريا نؤجج به مشاعر الناس ليصطفوا خلف الفلسطينيين الشجعان في مواجهتهم غير المتكافئة مع الجيش الإسرائيلي ؟؟ .. هل نذهب لننام في العراء قريبا من معبر رفح ننتظر السماح بالدخول ؟؟ .. وإذا دخلنا فماذا نفعل ونحن لا نعرف مسالك غزة ولا نعرف ماذا سنفعل هناك ؟؟ .. هل نذهب لنموت والسلام ؟؟ .. أم نذهب للتخلص من مشاعر الذنب التي تؤلمنا ونحن نشاهد أشلاء إخوتنا وأحبائنا في غزة ونسائهم وأطفالهم تختلط بالنار والدخان والحجارة في جحيم الآلة العسكرية الإسرائيلية التي افتقدت كل المعاني الأخلاقية فضلا عن المعاني الإنسانية ؟؟
الناس حيارى ومذهولين , فالمثقفون منهم يعرفون مدى بشاعة ما يحدث , وغير المثقفين يشعرون بشكل غامض ربما بأن شيئا جللا يدور , وأن نتائجه كارثية , إذا تحقق السيناريو الذي ترمي إليه إسرائيل ويساعدها فيه كل القوى الغربية والعربية على السواء بالصمت أو بالمباركة أو بالمشاركة أو بالتواطؤ أو بالتفهم أو بالتحالف الظاهر أو الباطن.
وإذ تتراكم المشاعر لدى الناس بينما لا يجدون مسارات يعبرون بها عن أنفسهم , أو يتحركون من خلالها لفعل شئ ما , هنا تحدث انسدادات في نفوسهم , وتتراكم بداخلهم مشاعر غضب , أو حزن , أو إحساس بالذنب , أو إحساس بالقهر , أو إحساس بالخزي , أو إحساس بالنذالة , أو إحساس بالعار , أو فقدان الرجولة , أو انعدام النخوة والشهامة والمروءة (إذ كيف ترى مجموعة أوغاد يقتلون إخوانك , وأنت تحوطهم من كل ناحية وتمتلك أوراق ضغط وفعل كثيرة ومع هذا تقف متفرجا لا تفعل شيئا) . وكلما اشتدت سخونة المعركة في غزة وزادت المشاهد البشعة التي تعرضها الفضائيات للوحشية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني كلما ازدادت المشاعر المتراكمة , وفي ذات الوقت يزداد القمع الأمني والسياسي لتلك المشاعر , وهنا نحن أمام احتمالين : الأول , أن يحدث انفجار هائل لتلك المشاعر في لحظة بعينها ينكسر فيها حاجز الخوف أو يزيد الضغط الداخلي بشكل مؤثر , الثاني : أن يكبت الناس مشاعرهم , ويتحولوا إلى حالة من اللامبالاة والإحباط المزمن , ويزيد لديهم العدوان السلبي والعدوان البيني (بينهم وبين بني جلدتهم) , أي يتحول الغضب والعدوان إلى الداخل فيشل حركة النفس والمجتمع , ويشل إرادة مجموع الناس ليتناسب ذلك مع شلل الإرادة الرسمية العربية (المقصودة أو المفروضة) .
والناس قد تعودوا على الحل الثاني (الكبت واللامبالاه والإحباط والغضب المكتوم والعدوان السلبي والعدوان البيني , وما يتبع ذلك من الإنصراف إلى اللهو والعبث مع قنوات التليفزيون ومواقع الإنترنت وصالات الإحتفالات حيث لا تستطيع أن تغمض عينيك) , واستخدموا هذا الحل في مواجهة تزوير الإنتخابات , وفي مواجهة إلغاء الإرادة الشعبية أو تزييفها , وفي مواجهة غلاء الأسعار , وفي مواجهة الفقر , وفي مواجهة التطبيع الإجباري مع إسرائيل , وفي مواجهة تصدير الغاز للعدو الصهيوني رغم الرفض الشعبي والحكم القضائي , وفي مواجهة الإستبعاد والتهميش لكل القوى السياسية والشعبية المختلفة مع الرؤية الحكومية , وفي مواجهة الكوارث التي يتسبب فيها الكبار وينجون من الحساب ويهربون إلى الخارج ليعيشوا في قصور ويستمتعوا بما نهبوه من أموال الشعب . ولكن هل ينجح هذا الحل في هذه المرة بالذات ؟ .. هل سيحتمل صبر الناس هذا القتل اليومي البشع للأطفال والنساء وتمزيقهم وعرضهم على شاشات التليفزيون قطع لحم بشرية ؟؟ .. هل سيتحملون إبادة هذا العدد الضخم في غزة كل يوم؟ .. هل سيتحملون تصفية الفصائل المقاومة كلها لصالح إسرائيل وأمريكا , وإنهاء القضية الفلسطينية للأبد , أو تسويتها بشروط إسرائيلية وأمريكية مهينة ؟؟