طباعة

علي بن عباس الأهوازي

Posted in الثقافة

 

ثم إنَّك تأخذ إبرةً قد نُظم فيها خيطٌ من إبريسم، وتُدخِله تحت أحد طرفَي الشِّريان، وتعقده وتقطع الخيطَ، وتفعل ذلك من الجنب الآخر، وتُنشِّف الموضعَ من الدم، وتضع على الموضع خرقاً مبلولة بشراب ساعة، ثم تذرَّ عليه الذرورَ المُلحم، ثمَّ المراهِم المُنبِتة للحم». كما وصفَ علاجَ كسر الفكِّ السُّفلي بالتَّجبير، وعمليَّة تفتيت الرَّأس في الجنين ذي الرأس الضَّخم عندَ عُسر الولادة، وأجادَ في عملية استئصال اللَّوزتين، واستِخراج حصيات المثانة، وكان أوَّلَ من أشار إلى صعوبةِ شفاء مَريض السلِّ الرئوي بسبب الحركةِ الدَّائمة للرِّئة.

وقد قام قُسطنطين الإفريقي بتَرجمة كتاب الملكي إلى اللاتينيَّة، ونَسبَه إلى نفسه، ونَشَره باسمه، وبقي الكتابُ يُدرَّس بمدارس أوروبَّا اللاتينية إلى جانب الحاوي للرَّازي والقانون لابن سينا والتَّصريف للزهراوي والتَّيسير لابن زُهر حتَّى القرن السَّادس عشر للميلاد ، وكانت قد ظهرت سنة 1127 م ترجمةٌ جَديدة للكتاب أعدَّها إلياسُ اصطفان الأنطاكي ذكرَ فيها اسمَ المؤلِّف الحقيقي، وهو عليُّ بن عبَّاس المجوسي.

عَرَّفَ عليُّ بن عبَّاس الأهوازي النَّبضَ تَعريفاً علمياً في غايةٍ من الدقَّة والتَّشبيه الذي يدلُّ على حاسَّةٍ أدبية ومعرفةٍ مرهفة بالتَّصوير البديعي، فقال: "إنَّ النبضَ رسولٌ لا يكذب ومُنادٍ أخرسَ يُخبر عن أشياء خفية بحركاته الظاهرة"؛ ثمَّ يُقرِّر معلومةً رائعة من الناحية العلمية غير مسبوقة فيقول: "والقلبُ والعروق الضَّوارب تتحرَّك كلُّها حركةً واحدة على مثالٍ واحد، في زمان واحد. يعني أنَّ حركةَ كلَّ واحدٍ منها مساويةٌ لحركة الآخر، لا يخالف بعضَها بعضاً في جَميع حالاتها، حتَّى إنَّه يمكن أن يُقاسَ على جميعها. ولذلك، صِرنا نتعرَّف حالَ حركة القلب من حركة الشِّريان".

ويُقال إنَّ عليَّ بن عبَّاس الأهوازي سبقَ ابنَ النَّفيس في وصف الدَّورة الدموية في حَديثه عن وظيفتَي الانقِباض والانبساط ـ الشَّهيق والزفير ـ في كتابه "كامِل الصناعة الطبِّية"؛ وهذه مقولةٌ قابلة للبحث والمداولة.

ويُعدُّ عليُّ بن عبَّاس الأهوازي من أوائل الأطبَّاء القُدامى القائلين بوجود شبكةٍ شعرية بين العروق النابضة (أي الشَّرايين) وغير النابضة (أي الأوردة). وقد سبقَ بهذا الإنجاز الطبِّي الطبيبَ الإنكليزي هارڤي (1578ـ 1658م) بوصفه الدورة الدَّموية في الأوعية الشعرية.

كما وَصفَ استئصالَ الأورام التي تلحق بالرحم والإصابة في التهاب عنقه. وأكَّد الاستئصالَ الجراحي للوزتين إذا عظمَ حَجمُهما، وطالت مدَّته، وعَسُر على صاحبهما البلعَ، ولم تنجح بشفائهما الأدويةُ والغَرائر وما في قوَّتِها. وقد ظَهرت براعتُه في الجراحة أيضاً في معالجة الكسور والخلوع وتَجبيرها. ووضعَ وصفاً دقيقاً في معالجة الفكِّ السفلي إذا أصابه كسر.

وقد اهتمَّ عليُّ بن عباس الأهوازي بطبِّ الأسنان اهتماماً بالغاً، ممَّا جَعلَه يُقدِّم دراسةً مُتَكاملة عن هذا الموضوع في كتابه. ودرسَ مرضَ الصَّرع بعُمق، حتَّى إنَّه وصلَ إلى نتائج بقيت مرجعاً عبر العصور.

تَنبَّه عليُّ بن عبَّاس الأهوازي إلى صعوبة شفاء الرئة المصابة بالسلِّ، وقال بصدد ذلك: "إنَّ السببَ الذي من أجله لا يُشفى السلُّ الرئوي هو أنَّ الرئةَ دائمةُ الحركة لا تلتحم لكثرة حَركتها وهزِّها وإزعاج السُّعال لها، لأنَّ العضو المتقَرِّح يحتاج إلى أن يكونَ هادئاً ساكناً حتَّى تلتحمَ قرحتُه"، وقد كان الرَّائدَ الأوَّل في وصف عمليَّة "خَمص الرِّئة" التي انتشرَ استعمالُها في معالجة السلِّ في مطلع القرن العشرين قبلَ اكتشاف المضادَّات الحيويَّة.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed