طباعة

العنف: بين ماهيته السوسيولوجية وجذوره السيكولوجية والتربوية !!!

Posted in الثقافة


أما بالنسبة لأسباب التي تنتج العنف في التاريخ فهناك عدد من النظريات التي فسرت ذلك, ولعل الماركسية أول من التفت لظاهرة العنف في التاريخ من منطلقات سوسيواقتصادية, حيث أكد كارل ماركس ( 1818 ـ 1883 ) أن العنف في التاريخ ناتج عن الصراع الطبقي الذي هو المحرك الأساسي لعجلة التاريخ بمختلف مراحله, والذي يجسده الصراع بين طبقتين مختلفتين, هما الطبقة المستغلة والطبقة المستغلة, أو ما يعبر عنه بلغة الاقتصاد الماركسي التناقض التاريخي والمستمر بين قوى الإنتاج من جهة وعلاقات الإنتاج من أخرى, كما نراه مثلا في الرأسمالية وهو الصراع الحاصل بين البورجوازية مالكة وسائل الإنتاج وبين البروليتارية, ويولد هذا الصراع مختلف أشكال العنف والاستلاب والاستغلال الذي تمارسه الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج المادي على الطبقة العاملة. وقد يتخذ هذا الصراع طابعا فرديا لا يعيه الفرد ذاته, كما يتخذ صراع جماعات مختلفة " نقابات, وإيديولوجيات وأحزاب سياسية ". أم التفسير الآخر للعنف فهو كما يراه المفكر الفرنسي " روني جيرار ( 1923 ) " بما يسمى " الرغبة سبب العنف " وهذا التفسير يرى أن الإنسان كائن راغب, توجه تفكيره وسلوكه مجموعة من الرغبات, وان إشباع هذه الرغبات يرتبط بموضوعات معينة وتكاد تكون موحدة بين البشر, مما يجعل الناس يتوجهون إلى نفس الموضوعات بطريقة يسميها محاكاتية, فيظهر بينهم التنافس والتدافع ويتحول الأمر إلى النزاع والصراع ثم إلى حرب مفتوحة تأتي على حرق الأخضر واليابس, ولا يتوقف العنف بين بني الإنسان إلى الأبد, نظرا لعد انقضاء الرغبة المرتبطة بالموضوع المتنازع عليه من جهة, ونظرا لظهور سيكولوجية الانتقام الجماعي المؤجل من الخصم من جهة ثانية. على خلاف ما يجري في وسط الحيوانات  التي يخمد الصراع بين أفرادها بمجرد الغلبة وخضوع الأضعف للأقوى. ويؤكد جيران أن العنف الإنساني عنف مدمر, فهو ينتشر في الجماعة من فرد إلى فرد ويمكن أن يؤدي إلى قيام مذابح جماعية.

وبخصوص مشروعية العنف من عدمها, فهناك من يعطي مشروعية قانونية للممارسة العنف من زاوية الحق والقانون والعدالة, كما هو الحال عند عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر ( 1864 ـ 1920 ) عندما يتحدث عن مشروعية العنف المادي الممارس من طرف الدولة, وعن حقها في احتكار هذا النوع من العنف, وكما يقول احد زعماء الحركة الشيوعية الروسية و العالمية  تروتسكي ( 1879 ـ 1940 )  والذي يرى " أن كل دولة هي جهاز مؤسس على العنف ". فالدولة هي التجمع السياسي الذي يحتكر العنف المادي الذي تعطى له الشرعية القانونية, المتمثلة أساسا في المحافظة على النظام الداخلي من جهة, والدفاع عن المجتمع ضد الأخطار الخارجية من جهة أخرى. هكذا يرى فيبر أن جوهر السلطة هو ممارسة العنف, وان هذا الأخير هو الوسيلة المميزة لها, وان بينها وبينه علاقة وطيدة؛ ذلك أن ما يبقى في حالة اختفاء العنف من ممارسة الدولة هو الفوضى وضياع مصالح الناس. ولكن هناك أسئلة كثيرة تثار حول مشروعية ذلك من خلال شرعية الدولة نفسها ومن أين استمدت ذلك, وحول مشروعية قوانينها وهل هي مطابقة للحق والعدل فعلا. أما الموقف الآخر من العنف فهو الموقف الرافض للعنف ولا مشروعية له, بل يمثل الرذيلة والحقد, ويمثل هذا الاتجاه المهاتما غاندي ( 1869 ـ 1948 ) السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند, حيث يجسد الحب والإرادة الطيبة تجاه كل الناس, ولذلك فهو يرفض السلوك العنيف لأن ورائه نية من اجل إلحاق الأذى والألم بالآخر, وهكذا يدعو غاندي إلى تعميم الصداقة بيم كل الناس ومكافحة العنف والشر بسلاح الذهن والفكر الأخلاقي, وهو ما يقتضي مواجهة العنف بمقاومة روحية تمكن من خلق خيبة أمل لدى الممارس بأن لا أواجهه بسلاحه من جهة, والتمكن من رفع مستواه الإنساني والأخلاقي بأن يصبح هو الآخر رافضا للعنف من جهة أخرى !!!.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed