البوابة
تسريح بإحسان
هل يمكن أن يكون هناك طلاقا متحضرا مهذبا هادئا مسالما بين شخصين وصلت بينهما الخلافات إلى الدرجة التي لم يستطيعا فيها استكمال حياتهما الزواجية وقررا الإنفصال ليسير كل واحد منهما عكس اتجاه الآخر ؟... وإذا كان الزوجان على هذه الدرجة من الرقي الأخلاقي والإنساتي فلماذا إذن ينفصلان ؟ ... أليست الرغبة في تحقيق طلاق متحضر نوع من الأماني ونوع من الإغراق في المثالية ؟
كانت كل هذه العلامات الإستفهامية والإستنكارية تساورني إلى أن حدث في السنوات الأخيرة أن حضر إلي في العيادة أكثر من حالة يطلبون مساعدتي في إدارة عملية الطلاق , وكنت أحترم رغبتهما , كما أعلن عن رغبتي في محاولات إصلاح اللحظات الأخيرة فكان بعضهم يوافق وكنا نصل لنتيجة وبعضهم الآخر يصر فنتجه مباشرة نحو إدارة عملية الطلاق بشكل سلمي آمن بحيث نضع في الحسبان مصالح الطرفين المطلقين وقبل كل هذا مصالح الأبناء قبل وبعد وأثناء الطلاق , وكنا ندرس كل خطوة بناءا على هذه الإعتبارات . وبعد النجاح في أكثر من حالة راح الحلم يكبر بأن تزيد حالات الطلاق المتحضر ليس فقط في العيادة النفسية وتحت إشراف طبي , وإنما في حياتنا عموما في الحالات التي يتعذر فيها تحقيق معاني السكن والمودة والرحمة بين الزوجين.
وقد وجدت بعض العوامل المشتركة في هذه الحالات من الطلاق المتحضر أذكر بعضها :
ارتفاع مستوى التعليم والثقافة لدى الزوجين
ارتفاع المستوى الإجتماعي
تمسك الطرفين بالقيم والمبادئ الدينية والأخلاق الرفيعة
النضج الشخصي لدى الطرفين
تحييد الأسرتين الكبيرتين من الدخول في تفاصيل المشكلات
وجود أبناء يحبهما الطرفين
إحساس كل طرف بذاته إحساسا إيجابيا وأيضا بالطرف الآخر مع الوعي بأن المشكلة تعود إلى عدم توافق بين الطرفين وليس إلى سوء طباع
قرب الأبناء من الطرفين واحترامهما لهما وإدراكهما لصعوبة استمرار الحياة الزوجية بل واشتراكهما أحيانا في اتخاذ القرار وترتيب التفاصيل
قد يشعر البعض بمثالية الموقف وصعوبة تحققه في الواقع , وهذا ما كنت أظنه من قبل و ولا أدّعي أننا سنجد حالات كثيرة بهذه المواصفات , ولكنها رغم قلتها تعطي نموذجا نسعى إليه حين يتعذر استمرار الحياة الزوجية أما ما نراه في واقع الحياة اليومية بكثرة فهي معارك للطلاق يتفنن كل طرف فيها في الضغط على الطرف الآخر وإذلاله , وإذا لم تسعفه حيلته استعان ببعض المحامين ليدلوه على طرق للضغط القانوني على الطرف الآخر ووضعه في ظروف غاية في الصعوبة , وقد لا يكتفي بذلك بل يستخدم الأبناء كأوراق ضغط للي ذراع الطرف الآخر وإذلاله بلا أي مراعاة لمشاعر الأطفال واحتياجاتهم , وقد تمر سنوات وهذا الصراع محتدم حيث يصل كل طرف إلى أقصى درجات التعدي والكيد والظلم .
- السابق
- التالي >>