طباعة

سيكولوجية الغش فى الإمتحانات

Posted in آباء وأبناء

cheetingأحد الأصدقاء كانت توكل إليه مسئولية الإشراف على لجان الإمتحانات فى أماكن مختلفة وكان موسم الإمتحانات بمثابة أزمة حقيقية له ولأسرته وللجان التى يشرف عليها , فقد كان الرجل من ذلك الطراز الذى برفض الغش بكل أنواعه وكل درجاته , ولا يقبل الحلول الوسط أو الحلول التوفيقية أو التلفيقية أو المواءمات أو المساومات أو المجاملات أو التهديدات , وفى أكثر من مرة كان ينجو من الموت بأعجوبة ,

 

فققد كان أهل الطلاب يتحرشون به وينتظرونه خارج اللجنة ليفتكوا به لأنه ضيق عليهم الخناق فلم يأخذوا حقهم فى الغش , وكان يتم هذا فى أحيان كثيرة بإيعاز من بعض المراقبين ومشرفى الأدوار الذين كانوا يرفضون أسلوبه المتشدد ( فى نظرهم ) فى المراقبة وكانوا يحرضون الأهالى عليه بشكل مباشر أو غير مباشر, وكان الخطر يتفاقم إذا كانت اللجنة فى أماكن ريفية نائية حيث العائلات والعصبيات وحيث انعدام وسائل الحماية لغريب جاء ليتحكم فى مصائر أبنائهم ويمنع عنهم حقا من حقوقهم التى اعتادوا عليها سنوات طويلة . وحين كان يحاول طلب الحماية من الأمن لم يكن يجد أذنا صاغية بل كانوا يعتبرونه مثيرا للمشاكل والقلاقل والشغب بسلوكه المتعنت تجاه محاولات الغش المعتادة , وكانوا يعتذرون له بلباقة ( أو بدونها ) بأن القوة غير كافية لمواجهة بلدة أو حى أو قرية , فما كان منه إلا أن يضع روحه على كفه ويخرج من اللجنة معرضا نفسه لأخطار عديدة . ونظرا لكثرة المشاكل فى هذا الشأن قرر الإعتذار عن رئاسة لجان الإمتحانات , وقبلت الإدارة اعتذاره بسرعة وسهولة ( على غير عادتها فى هذا الشأن وفى غيره ) ربما تفاديا لمشاكل كثيرة سببها لهم .

وعايشت محنة أحد رجال الأمن حين حاول التصدى لمحاولة غش جماعى بالميكروفون أمام أحد المدارس يقوده أحد الأعيان , وكانت النتيجة أن ذهبت شكاوى فى رجل الأمن تقول بأنه أهان هذا الرجل من الأعيان وأهان أهل هذه البلدة , فجاءت حركة التنقلات لتدفع برجل الأمن هذا إلى إحدى محافظات الصعيد .

ورأيت فى يوم من الأيام مشادة بين اثنين من أعضاء هيئة التدريس فى أحد الجامعات وعلمت أن سببها أن أحدهما قد وصّى الآخر على أحد الطلاب ثم اكتشف أنه لم يقم بعمل اللازم كما يتوقع هو وهو الدرجة النهائية بلا نقصان على الرغم من أن هذا الطالب – كما ذكر عضو هيئة التدريس الآخر – لم يفتح فمه بكلمة إجابة واحدة تبرر إعطاءه أى درجة ناهيك عن الدرجة النهائية .

قد تكون شعرت بالضيق والملل أيها القارئ وتقول : وما الجديد فى ذلك ؟ .... وهذه هى المشكلة أن أمر الغش فى الإمتحانات لم يعد يثير انفعالا ذا قيمة عند مستقبله , فالأمر لا يعدو شقاوة طلاب أو رأفة مراقبين أو حرص أولياء أمور على نجاح وتفوق أبنائهم . وهذا جزء من الخلل الذى أصاب الضمير العام فأصبح لا يستنكر بعض الظواهر الإجتماعية مثل الرشوة أو الغش فى الإمتحان , وحتى لو تحدث عنها فإنه يتحدث عنها كأمر واقع لا مفر منه , وأن هناك أشياء أهم وأخطر جديرة بالحديث فيها وعنها  .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed