طباعة

الدردشة الالكترونية وحوار الأعماق

Posted in المجتمع

profileقد تبدو الدردشة التي يمارسها الناس هذه الأيام على  الانترنت في كثير من الأحيان مضيعة للوقت والجهد والمال ، ولكنها على الجانب الآخر تمثل نوعاً من الحوار المختلف الذي لم يعتد عليه الناس من قبل ويتميز بالتالي :

1 - اللاإسمية حيث لا يعرف طرفي العلاقة ( إن أرادا ذلك  ) بعضهما بالإسم أو العنوان أو الجنس ،

 

وهذا يعطي مساحة هائلة من الحرية في التعبير عن الذات دون اعتبار لأي عوامل سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية , وقد أعطى هذا العامل فرصة هائلة لخروج الكثير من الأفكار والنزعات التي كانت كامنة تحت الوعي أو في اللاوعي لكي تخرج وتتفاعل مع الآخر دون خوف من عواقب . وهذا ربما يؤدي مع الوقت إلى تآكل مساحة اللاوعي الشخصى ، تلك المساحة التي كانت تحوي كل ما هو مرفوض اجتماعياً أو مؤلم نفسياً ، فقد أصبح هناك ما يمكن تسميته " اللاوعي الإلكتروني " يصب فيه الناس محتويات لاوعيهم حتى يتخففوا منها وهذا يؤدي إلى التنفيس المستمر والذي كان يتم قبل ذلك بمساعدة المعالج النفسي أو الإعتراف أمام أحد الأصدقاء أو رجال الدين . إذن فربما تتناقص الحاجة لكل هؤلاء في وجود فرصة للتنفيس الإلكتروني اللامحدود والآمن والميسر في كل لحظة . ولأضرب مثلاً على ذلك : فهناك بعض الناس لديهم ميول جنسية مثلية كانوا لا يستطيعون التفوه بها حتى لأقرب المقربين ، ولكن الآن أصبحوا يدخلون في برامج الدردشة ويعبرون عن أنفسهم بصراحة ( أحياناً تصل إلى درجة الوقاحة ) ويمارسون التعري وأحياناً الجنس دون خوف من تجاوز القواعد الاجتماعية والأخلاقية . وهناك من يدخلون في الدردشة على أنهم من الجنس الآخر فيعبرون عن ميولهم الجنسية من خلال هذا الدور ، وهم يظنون أنهم يمزحون ولكن في الحقيقة يعبرون عن ما تحت وعيهم أو لا وعيهم ويتحاورون على هذا المستوى .

وفي هذه الظروف تتغير الدفاعات النفسية حيث لا داعي لاستخدامها بكثرة فتظهر الأفكار والرغبات والدفعات بلا قناع ، وإذا حدث وارتدت قناعاً فهو قناع يسهل خروج ما بالداخل ولا يعوقه .

 

2 – حرية  الدخول والخروج فلا إلزام بوقت أو مطالب ، وهذه الحرية ربما تكون غير متاحة في العلاقات العادية فيشعر الإنسان بالالتزام المرهق أحياناً نحو من له بهم علاقة ، أما في العلاقة الإلكترونية على الإنترنت فهو حر تماماً في بدء العلاقة وإنهائها في أي وقت وبأي طريقة دون أي حرج .

 

3 – إنسانية العلاقة ، حيث يتحرر الطرفان من أي التزامات حزبية أو طائفية أو دينية أو اجتماعية ويجدان نفسيهما في حوار ثنائي إنساني حر بعيداً عن كل الضغوط والإلتزامات السابقة ، وهذا يجعل التواصل أكثر إنسانية وأكثر تجاوزاً للخلافات والاختلافات .

وفي أحد الأفلام الأجنبية الرائعة بعنوان “ You have got a mail “ كان رجل وامرأة يكرهان بعضهما في الواقع ويحاول كل منهما تدمير الآخر نظراً لتنافسهما في العمل التجاري حيث كان كل منهما يمتلك مكتبة في نفس الشارع . ومع هذا الصراع والتنافر على مستوى الوعي نشأت بينهما بالصدفة علاقة موازية غاية في التفاهم والحب على مستوى الدردشة الإلكترونية وبقدر ما كانت الكراهية والعداوة بين عقليهما الواعيين بقدر ما كان الحب والتعاون والتفاهم بين مستوياتهما النفسية الأعمق .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed