طباعة

هذه الثقافة السائدة

Posted in الثقافة

إن وظيفة المثقف ودوره في المجتمع لا يمكن أن تكون فاعلة إلا باستخدام المنهج النقدي العقلاني الذي يقف ضد الامتثال والوصاية والتبعية والتوجيه والتهميش. وبمعنى آخر استخدام منهج نقدي يربط الفكر بالممارسة العملية ربطاً جدلياً، داخلياً وليس سطحياً، وهي مهمة المثقف النوعي وليس المهمش، مثلما هي مهمة المثقف التنويري المتحرر من أوهام الوصاية، الذي يستطيع اكتشاف ذاته قبل اكتشاف ذوات الآخرين.

نحن اذاً في حاجة الى مثقف فاعل، مبدع ومبتكر وليس مقلداً محاكياً، بل مثقف يسعى الى معرفة الحقيقة من دون أن يدعي امتلاكها، لا كالقائد السياسي، فهذا ليس دوره وانما يتحدد دوره، بمقدار مشاركته في عملية التواصل والتفاعل والحوار والتثاقف والتثقيف وتغيير المنظومة الذهنية والقيمية التقليدية القديمة التي تقف عائقاً أمام التطور والتقدم الاجتماعي والثقافي والسياسي وتساعد على تغيير منظومة القيم الأبوية التي تساعد على تنصيب قادة في المجتمع وجعلهم اصناماً يجبرون الناس على عبادتهم.

إن هذه الحال ليست وليدة الحاضر الراهن بتناقضاته وصراعاته المجتمعية والسياسية، ولا بسبب أنظمة الحكم الاستبدادية فحسب، وإنما هي وليدة أعراض لتراكم واقع موضوعي يمتد عمقاً في التاريخ تكون من التخلف والجهل والظلم والقهر والاستلاب. وهي جاءت إثر قطيعات حضارية متتالية قطعته عن جذوره التي تمتد عمقاً في التاريخ وجعلته مجتمعات ممزقة ومنشقة على نفسها، وفيها من الصراع الاثني والديني والقبلي والطائفي اكثر من المجتمعات الأخرى. وهو ما يؤكد بأن بنيته الذهنية ونمطه الثقافي هما انعكاس للواقع المجتمعي الذي يرفض كل تغيير في الفكر واللغة والعمل والسلوك ولا يرضى إلا بما هو موروث وتابع وثابت، لأنه استمرار للثقافة الماضوية التقليدية والشفاهية غير التدوينية والنزعة الأبوية - البطريركية المهيمنة على نمط التفكير والعمل والسلوك، بقيمها وأعرافها وعصبياتها وتناشزاتها الاجتماعية، والتي تفرض سلطتها وايديولوجيتها وكذلك معاييرها وذوقها الجمالي الخاص بها.
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed