طباعة

الجاحظ

Posted in الثقافة

أما عن منهجه في معرفة الحلال والحرام فيقول: "إنما يعرف الحلال والحرام بالكتاب الناطق، وبالسنة المجمع عليها، والعقول الصحيحة، والمقاييس المعينة" رافضًا بذلك أن يكون اتفاق أهل المدينة على شيء دليلاً على حله أو حرمته؛ لأن عظم حق البلدة لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولأن أهل المدينة لم يخرجوا من طباع الإنس إلى طبائع الملائكة "وليس كل ما يقولونه حقًا وصوابًا".
فقد كان الجاحظ لسان حال المعتزلة في زمانه، فرفع لواء العقل وجعله الحكم الأعلى في كل شيء، ورفض من أسماهم بالنقليين الذين يلغون عقولهم أمام ما ينقلونه ويحفظونه من نصوص القدماء، سواء من ينقلون علم أرسطو، أو بعض من ينقلون الحديث النبوي.
فإذا كان بعض فلاسفة الشرق والغرب فد وقفوا أمام أرسطو موقف التلميذ المصدق لكل ما يقوله الأستاذ فإن الجاحظ وقف أمام أرسطو عقلا لعقل؛ يقبل منه ما يقبله عقله، ويرد عليه ما يرفضه عقله، حتى إنه كان يسخر منه أحيانا.. ففي كتابه الحيوان يقول الجاحظ عن أرسطو وهو يسميه صاحب المنطق: "وقال صاحب المنطق: ويكون بالبلدة التي تسمى باليونانية "طبقون"، حية صغيرة شديدة اللدغ إلا أنها تُعالج بحجر يخرج من بعض قبور قدماء الملوك-، ولم أفهم هذا ولمَ كان ذلك؟!"
ويقول الجاحظ: "زعم صاحب المنطق أن قد ظهرت حية لها رأسان، فسألت أعرابيًا عن ذلك فزعم أن ذلك حق، فقلت له: فمن أي جهة الرأسين تسعى؟ ومن أيهما تأكل وتعض؟ فقال: فأما السعي فلا تسعى؛ ولكنها تسعى على حاجتها بالتقلب كما يتقلب الصبيان على الرمل، وأما الأكل فإنها تتعشى بفم وتتغذى بفم، وأما العض فأنها تعض برأسيها معًا. فإذا هو أكذب البرية".
وكان الجاحظ يؤمن بأهمية الشك الذي يؤدي إلى اليقين عن طريق التجربة، فهو يراقب الديكة والدجاج والكلاب ليعرف طباعها، ويسأل أرباب الحرف ليتأكد من معلومات الكتب.. قال أرسطو: إن إناث العصافير أطول أعمارًا، وإن ذكورها لا تعيش إلا سنة واحدة… فانتقده الجاحظ بشدة لأنه لم يأت بدليل، ولامه لأنه لم يقل ذلك على وجه التقريب بل على وجه اليقين.
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed