و نحن في وقوفنا على المنتسبين إلى الفئات الاجتماعية المختلفة سوف نجد أن الانتماء الاجتماعي لا يمنع من التصنيف :
أ- إما إلى الفئة المتمثلة للقيم الاجتماعية و الإنسانية و الاقتصادية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هم الغالبية العظمى من الناس.
ب- و إما إلى الفئة المنتجة للقيم المختلفة بوسيلة معينة، و هؤلاء غالبا ما يكونون قلة قليلة جدا من المجتمع، سواء تعلق الأمر بموظفي وسيلة الأدب، أو وسيلة الفنون، أو وسيلة السينما أو المسرح، أو الفكر، أو غيرها من الوسائل التي تعمل على إنتاج القيم، أو على إشاعتها بين البشر. و بناء على هذا التمييز و التحديد الذي نريده واضحا. فهل يمكن القول بأن المثقف هو المنتج للقيم المساهمة في بلورة الشخصية الاجتماعية و الإنسانية المتناسبة مع السلوكية العامة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية المتطورة، و السائدة في إطار تشكيلة اقتصادية اجتماعية معينة. و المساعدة على انتقال تلك التشكيلة إلى المرحلة الأرقى.
أ- خبيرا بالقيم الإيجابية و السلبية المتصارعة في المجال الاجتماعي محليا، و وطنيا، و قوميا و عالميا، حتى يستطيع تحديد القيم التي يستهدف إزالتها و نفيها من الواقع في أبعاده المختلفة. و ما هي القيم التي يقبل على إنتاجها أو إشاعتها من اجل المساهمة في تقويم الشخصية الاجتماعية و الإنسانية، و العمل على تطويرها من اجل جعلها مساهما في تطور و تطوير الواقع في مختلف مناحي الحياة.
ب- متتبعا للحركة الثقافية المحلية و الوطنية، و القومية و العالمية من اجل إغناء خبرته، حتى تزداد صلابة أمام تحديات عناد الواقع الذي يبقى أسير الرؤى الجاهزة القائمة على استحضار سلطة العادات و التقاليد و الأعراف.
ج- متشبعا بالقيم الناتجة عن استيعاب مضامين المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و الميثاق الدولي المتعلق بحقوق الطفل، و توظيف تلك القيم من اجل العمل على إبداع قيم جديدة تتناسب مع ضرورة تحولات التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية في الاتجاه الأحسن في أفق تحقيق المرحلة الأعلى.
ه- مستفيدا من مختلف التجارب الثقافية في حياة الشعوب حتى يسترشد بالجوانب الإيجابية في إغناء الثقافة المحلية و الوطنية و القومية و الإنسانية بالمزيد من القيم التي تساعد على تطوير المجتمعات البشرية و العلاقات الإنسانية، و ترسخ القيم النبيلة في السلوك الفردي و الجماعي في مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية مما يجعله يحتل مكانة ممتازة في المجتمع الذي يعيش فيه، و لدى الطبقة التي يصنَّف فيها على المستوى الاجتماعي، و في التنظيمات الحزبية و الجماهيرية التي ينتمي إليها.
فالمثقف، و بهذا المفهوم الذي عرضناه، إذا لم يكن خبيرا بالقيم الإيجابية و السلبية، و متتبعا للحركة الثقافية على المستويين الخاص و العام، و متشبعا بالقيم الناتجة عن استيعاب المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق العامة، و بالحقوق الخاصة، و مستفيدا من تجارب الشعوب الثقافية المختلفة، لا يكون قادرا على المساهمة الفعالة في محاربة القيم الثقافية السلبية، و في العمل على بناء منظومة القيم الثقافية الإيجابية، أي انه لا يستطيع بناء وعي ثقافي متقدم و متطور، و يخدم عملية التقدم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي في الاتجاه الذي يخدم حركة التاريخ.
إننا عندما نرجع إلى العديد من الكتابات القديمة سنجد أن العديد من الدارسين يستعملون كلمة طبقة استعمالا غير علمي كما نجد ذلك في العديد من العناوين التي تحملها العديد من الكتب مثل "طبقات فحول الشعراء" و "طبقات النحويين" و هكذا … و هؤلاء الكتاب القدماء معذورون، لأن المعرفة العلمية الدقيقة كانت غائبة. و لأن تحديد المصطلح لم تكن واردة أبدا عندهم. و لكن عندما يتعلق الأمر بالكتابات الحديثة/المعاصرة. فإن الكتاب لا يعذرون في عدم تحديد دلالة المصطلح الذي لا يكون إلا علميا، حتى و إن كان هذا الاستعمال حاصلا في المجال الثقافي، أو الفكري، أو الإعلامي، أو السياسي، لأن مشكلتنا القائمة في واقعنا الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي هي غياب الدقة في المصطلحات المستعملة و لأجل ذلك نجد أن الدقة تقتضي :
ب- تحديد طبيعة الإنتاج السائد، و هل هو الإنتاج العبودي ؟ هل هو الإنتاج الإقطاعي ؟ هل هو الإنتاج الرأسمالي ؟ هل هو الإنتاج الاشتراكي ؟ حتى نتعرف على الوسائل المعتمدة في الإنتاج.
ج- تحديد العلاقة بوسائل الإنتاج، و هل هي علاقات عبودية ؟ هل هي علاقات إقطاعية ؟ هل هي علاقات رأسمالية ؟ هل هي علاقات اشتراكية ؟ لأن العلاقة بوسائل الإنتاج تلعب دورا أساسيا و حاسما في التحديد الطبقي الذي يعتبر دورا أساسيا في تحديد المفهوم تحديدا دقيقا.
و انطلاقا من مظاهر الاقتضاء هذه، فنحن عندما نقدم على تحديد التشكيلة الاجتماعية المستهدفة، و تحديد طبيعة الإنتاج في تلك، و تحديد العلاقة بوسائل الإنتاج، فإننا نجد أنفسنا مباشرة أمام مفهوم علاقات الإنتاج الناتجة مباشرة عن العلاقة بوسائل الإنتاج. هل هي علاقة بملكية تلك الوسائل ؟ أم أنها علاقة بتشغيل تلك الوسائل ؟ و بالتالي فالمالكون لوسائل الإنتاج ينتمون إلى الطبقة المستغلة (بكسر الغين) أما المشغلون لوسائل الإنتاج فينتمون إلى الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و انطلاقا من العلاقة بوسائل الإنتاج تتشكل علاقات الإنتاج التي تميز كل تشكيلة اقتصادية اجتماعية. و لذلك نجد أن الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج تجمعها مصالح مختلفة عن مصالح الطبقة المشغلة لوسائل الانتاج، و هذه المصالح هي التي تقف وراء تشكل إيديولوجية الطبقة التي تدفع في اتجاه تنظيم أوعى عناصر تلك الطبقة في حزب سياسي معين يقوم بتنظيم حركة تلك الطبقة في اتجاه الوصول للسلطة.
و حسب هذا المفهوم الذي حددناه فإن كل تشكيلة اجتماعية لا يمكن أن تتشكل إلا من طبقتين رئيسيتين، طبقة المستغلين و طبقة المستغلين (بفتح الغين)، بحيث نجد أن التشكيلة العبودية تتكون من الأسياد و العبيد. و أن التشكيلة الإقطاعية تتكون من الإقطاع و الاقنان. و أن التشكيلة الرأسمالية، تتكون من البورجوازيين و العمال. و أن التشكيلة الاشتراكية تعمل على تذويب مختلف الطبقات الاجتماعية في أفق تحقيق المرحلة الأرقى. و ما بين الطبقتين الرئيسيتين نجد الطبقة الوسطى التي قد تنحاز إلى الطبقة التي تمارس الاستغلال أو إلى الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و هذه الطبقة غالبا ما تتشكل من شرائح البورجوازية الصغرى، و من العاملين في المؤسسات الخدماتية التي تعمل على امتصاص جزء مهم من فائض القيمة. و حسب هذا التحليل، فإن المثقفين لا يصدق عليهم مفهوم الطبقة إلا باعتبارهم يبيعون إنتاجهم الثقافي إلى المؤسسات الإعلامية و غيرها. فيصيرون بسبب ذلك جزءا من الطبقة الوسطى التي تعمل على امتصاص جزء مهم من فائض القيمة. و إلا فإن المثقف باعتباره منتجا للقيم قد يكون مصنفا في إطار الطبقة الممارسة للاستغلال، أو في إطار الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و قد يكون جزءا من الطبقة الوسطى فيمارس التسلق الطبقي و يوظف ثقافته لأجل ذلك أو يمارس الانتحار الطبقي فيوظف ثقافته لأجل ذلك أيضا. أما أن يشكل المثقفون طبقة اجتماعية، فأمر غير وارد على المستوى العلمي.
و في مقابل الدور الذي يقوم به مثقفو الطبقة المستفيدة من الاستغلال نجد أن المثقفين المنتحرين يأخذون على عاتقهم نشر الثقافة النقيضة، و الحاملة للوعي الطبقي للطبقات التي يمارس عليها الاستغلال و في مقدمتها الطبقة العاملة التي تباشر عملية الإنتاج من خلال علاقتها بوسائل الإنتاج، و التي لا تتلقى من إنتاجها إلا جزءا يسيرا من الإنتاج يمثل الأجور التي تتسلمها، ليذهب فائض القيمة إلى الطبقة المالكة لتلك الوسائل. و مثقفو الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال المادي و المعنوي ينسلخون من الطبقات التي ينتمون إليها ليصبحوا جزءا من الطبقات المستغََلة حتى يستطيعوا تمكين الطبقة العاملة و حلفائها من سائر العاملين بأجر و الفلاحين الفقراء و المعدمين من امتلاك وعيهم الطبقي الاقتصادي و الإيديولوجي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، لأنه بدون امتلاك ذلك الوعي سيقبل المستغلون (بفتح الغين) كل أشكال الاستغلال على أنها جزء من الحياة التي يعيشونها، أو على أنها قدر من قوة غيبية معينة، ليختفي بذلك الصراع و بصفة نهائية من الواقع في تجلياته المختلفة. و لذلك نجد أن هذه الفئة من المثقفين تتحمل مسؤولية كبيرة في جعل الطبقة العاملة و حلفاءها يمتلكون الوعي الطبقي الذي يتجسد في إدراك موقعها الطبقي في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية، أو الرأسمالية التبعية، أو الاستغلالية بصفة عامة. و هذا الإدراك هو البداية التي ينطلق منها المستغلون (بفتح الغين) لامتلاك الوعي الإيديولوجي و الوعي التنظيمي، و الوعي الاجتماعي، و الوعي الثقافي، و الوعي السياسي الذي يعتبر ضروريا لقيام الطبقة العاملة و حلفائها بتنظيم نفسها من اجل خوض أشكال الصراع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي من خلال التنظيمات النقابية و الجمعوية و الحقوقية، و من خلال حزب الطبقة العاملة من اجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و من اجل التمتع بالحقوق المختلفة، و من اجل سيادة ثقافة تقدمية و متطورة، و من اجل الوصول إلى السلطة السياسية لفرض تحقيق مصالحها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
و انطلاقا من ممارسة المثقفين في الاتجاهين نجد أن دور المثقفين قد يكون لصالح الطبقات المستفيدة من الاستغلال. و قد يكون لصالح الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال، انطلاقا من مفهوم التسلق، و من مفهوم الانتحار الطبقيين.
إن شخصية المثقف قابلة لكل الاحتمالات، فقد تكون هذه الشخصية انعزالية محكومة بالتفرد و الانطواء، و قد تكون واضحة في موقفها الحيادي من الواقع خوفا من انحسارها في خانة معينة، و قد تكون شخصية متطلعة حاملة لأمراض البورجوازية الصغرى، و قد تكون حاملة لهموم الكادحين، و قد تكون شخصية متقلبة بين هذا أو ذاك، و هذه الجهة أو تلك، و قد لا تكون إلا ما تمليه اللحظة التي يعيشها المثقف.
إن شخصية المثقف يعتمد فيها كل شيء، و لكنها في نفس الوقت تتفاعل مع كل شيء. و هذا التفاعل هو الذي يحدد من أين للمثقف عناصر بلورة شخصيته ؟
ج- التميز الاجتماعي نظرا لكون الناس يتعاملون مع الثقافة كشيء غير ضروري. و نظرا للخلط الذي يقوم بين التثقيف و التعلم. و لكون المثقف يظهر في المجتمع و كأنه هو الذي يتحمل مسؤولية نشر القيم في المجتمع دون اعتبار لطبيعة القيم، و هل هي عامة، و هل هي خاصة بطبقة معينة. و حتى في إطار إنتاج القيم الخاصة بطبقة معينة. فإن المثقف يكون متميزا في إطار الطبقة التي ينتمي إليها، أو التي اختارها على المستوى الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي.
أما الجنوح إلى الاختلاف فيتمثل في :
و لذلك فعلاقة الاختلاف في شخصية المثقف تتجسد إما في تسلقه في اتجاه الطبقة الممارسة للاستغلال المادي و المعنوي أو في انسلاخه في اتجاه الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و المثقف في مثل هذه الحالة عليه أن يحسم، لأن الحسم هو الأساس. فالأساس شرط قيام أي بناء، و لكي يتسلق المثقف عليه أن يختار أساس التسلق، و لكي ينسلخ المثقف عليه أن يختار أساس الانسلاخ حتى يخطط لبناء منظومة القيم الثقافية التي يؤسس لها, و حينها يصير المثقف ثوريا كما ذهب إلى ذلك لينين قائد ثورة أكتوبر العظمى. أو يصير عضويا كما ذهب إلى ذلك المناضل الشيوعي الإيطالي غرامشي.
وقد يكون المثقف متأرجحا بين التسلق تارة، و الانسلاخ تارة أخرى، فيفقد قدرته على اكتساب ثقة الجماهير الشعبية الكادحة بسبب عدم حسمه لصالح الانحياز إلى جانبها. كما يفقد ثقة الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي و المعنوي لنفس السبب. و مثقف من هذا النوع يتصنف مباشرة في الطبقة الوسطى الحاملة للكثير من الأمراض، و في مقدمتها مرض التذبذب، الذي يجعل هذه الطبقة ناشرة للكثير من أمراضها في صفوف المجتمع بكل طبقاته بما في ذلك الطبقة المستفيدة من الاستغلال المادي و المعنوي. و الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و الغريب في الأمر أن مثقفي الطبقة العاملة و سائر الكادحين الذين يشرحون الطبقات المستفيدة من الاستغلال، و مثقفي الطبقات المستفيدة من الاستغلال الذين يبتدعون كافة أشكال تضليل الطبقة العاملة و سائر الكادحين، لتبقى الطبقة الوسطى غير حاضرة في ذهن المثقفين، مع أن ممارساتها الموبوءة و المريضة تقف أمام تطور المجتمعات البشرية، و تعرقل انتقالها إلى المرحلة الأعلى في خط تطور التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية، و تديم سلطة الاستغلال الهمجي للبشرية، و تتقمص الشعارات التي ترفعها الطبقة العاملة من اجل تضليل و ممارسة الضغط على الطبقات المستفيدة من الاستغلال. و عدم تناول المثقفين المتذبذبين بالنقد و التشريح و النفي يجعل أمراض هذه الفئة من المثقفين مستمرة في السيادة، و في جعل المجتمعات مستمرة في التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي حتى تنتعش هذه الطبقة، و حتى تستمر في الاستفادة من الشروط التي لا تخدم إلا الطبقات الممارسة للاستغلال.
و مصطلح "المثقف" من المصطلحات الأكثر إصابة بهذه الهلامية، الأكثر تحميلا للكثير من المفاهيم التي لا علاقة لها بالثقافة. فالمثقف هو المعلم، هو الطبيب، و هو المهندس، و هو الأستاذ الجامعي، و هو الصحفي و هو الإعلامي،
أ- المتعلم و المثقف. لأن المتعلم قد يكون منتجا للقيم، و قد لا يكون كذلك.
و ما يمكن استخلاصه مما سبق أن مفهوم المثقف يحتاج إلى التماس التدقيق حتى تتاح الفرصة أمام منتجي القيم الثقافية من الذين لا يحملون المؤهلات العلمية التي يمكن استغلالها لادعاء امتهان "الثقافة" التي لا يمكن اعتبارها ثقافة لكونها لا تساهم في إنتاج القيم الثقافية مهما كانت هذه القيم. و أن مفهوم الطبقة يمارس عليه التضليل بكافة الوسائل حتى لا يسود الشعور الطبقي في الواقع، وحتى لا يعمل الكادحون انطلاقا من ذلك الشعور على إدراك مدى ما يمارس عليهم من استغلال مادي و معنوي. و أن دور الطبقة له علاقة بنمط الإنتاج، و بوسائل الإنتاج و بالصراع بين الطبقات، و بتوظيف العلوم و التقنيات لصالح الصراع الطبقي السائد حتى تصير الجهة الموظفة لذلك أكثر استفادة من ذلك الصراع. و أن دور المثقف يتحدد في إنتاج القيم الإنسانية و الطبقية التي توحد المجتمع من جهة، و تعمل على توحيد كل طبقة اجتماعية على حدة من جهة أخرى. و أن انحياز المثقف إلى جانب الكادحين يجعل ثقافته ذات فعالية معينة تؤهل الكادحين إلى لعب دور مهم في التاريخ الإنساني. و أن علاقة الالتقاء و الاختلاف بين الجنوح إلى التسلق الطبقي و بين الجنوح إلى الانحدار الطبقي في شخصية المثقف تبقى واردة، و أن على المثقف أن يحسم في انحيازه إلى طبقة معينة، و أن تردده بين الرغبة في التسلق و الرغبة في الانتحار يعتبر مسألة مميزة للبورجوازية الصغرى التي ينتمي إليها عادة المثقفون بحكم تعودهم على امتصاص جزء من فائض القيمة لصالح الشرائح البورجوازية الصغرى. و أن الخلط الذي يصيب مفهوم المثقف آت من الهلامية التي تصيب منظومة المفاهيم التي تفرض إعادة النظر فيها، حتى تصير قائمة على التحديد الذي يجعل الوضوح المفاهيمي سائدا في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. لنتجنب بذلك التضليل الذي يصيب مختلف المفاهيم و منها مفهوم المثقف وصولا إلى الوضوح في القيم الثقافية التي توجه المسلكيات الفردية و الجماعية، و الإنسانية و الطبقية في إطار التعدد الذي يخدم الوحدة الإنسانية و وحدة الشعب، و وحدة الجماعة، من اجل مجتمعات يمارس فيها الصراع الطبقي الذي يخدم تطورها نحو الأحسن، من اجل تحقيق قيم إنسانية نبيلة في اتجاه تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية بفضل الوعي المتقدم و المتطور الذي يعمل المثقفون على بثه في المجتمعات البشرية المفتقرة إلى ذلك الوعي.
فهل تتم إعادة النظر في مفهوم المثقف من اجل ذلك ؟
المصدر : www.maktoobblog.com