القاهرة – أمينة خيري
الصحة حال من كمال الرفاهية الجنسية و العقلية و الاجتماعية , و ليست مجرد غياب المرض أو العجز , طبقاً لتعريف منظمة الصحة العالمية التي اختارت الصحة النفسية لتكون الفكرة الرئيسية ليومها هذا العام . و بادر المكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية مطلع نيسان الجاري بتنظيم جلسة تثقيفية جمعت عدداً من الصحافيين و خبراء الصحة النفسية و العقلية من دول الإقليم لتضييق الفجوة بين الجهتين و تقريب فكرة الصحة النفسية من أذهان العاملين في الإعلام كخطوة أولى نحو تصحيح المعتقدات الخاطئة لدى المجتمع ككل .
عملت الاجتماعات على تحقيق هدفين رئيسيين : رفع درجة الوعي عن قضايا الصحة النفسية بين المواطنين , بالتعاون مع الإعلام , و محاربة " وصمة العار" التي تلصق بالمرضى النفسيين .
كثرة الاعتقادات الخاطئة
طرحت مشكلة الاعتقادات الخاطئة بين سكان غالبية دول الإقليم بمن فيهم الصحافيون و الإعلاميون . و يعد وجود مريض عقلي في أسرة ما وصمة عار لجميع أفرادها , و يتعامل الأصدقاء و الأقارب معه و مع أسرته بريبة و خوف , بل تحاول الأسرة نفسها إخفاءه باعتباره مصدر إحراج لها . و تؤكد الكلمات المستخدمة في الإشارة إلى المريض النفسي المعتقدات الخاطئة : المجنون المعتوه ,المتخلف , بل و تحفل قواميس العامية بالكلمات المحقرة .... هرب عشرات الخطاب من امرأة على مقدار بالغ من الجمال و الثقافة و دماثة الخلق لسبب واحد هو ترددها على طبيب أمراض نفسية قبل سنوات , بعد أزمة نفسية تعرضت لها و تحولت تلك الزيارات إلى وصمة عار لها و اتهاماً ضمنياً بأنها مجنونة .... وأظهر استقراء أجري بين مستخدمي شبكة الإنترنت أن واحداً بين كل خمسة أشخاص يعاني ثلاث مشكلات صحية نفسية أو اكثر , و أن ثلاثة بين كل خمسة أشخاص يؤكدون أنهم واجهوا مشكلات خاصة بالصحة العقلية مباشرة أو من خلال شخص يعرفونه .
من هو المريض النفسي ؟ الإعلام بين الشفافية و الاتهام
يعرف المستشار الإقليمي للصحة العقلية و سوء استخدام المواد (المخدرات) الدكتور أحمد محيط المرض النفسي ، بأنه خلل في التفكير والقدرة على حل المشكلات و الإدراك و الذاكرة , و خلل في العلاقات , مثل القدرة على التصرف حيال العلاقات الإنسانية المتداخلة . و على الجانب الآخر ينظر الشخص المتمتع بصحة عقلية إلى نفسه و إلى الآخرين بتقدير , و يساعدهم في تنمية قدراتهم , مع احترام قيمهم الاجتماعية و الثقافية . وعلى رغم إشادة المدير الإقليمي الدكتور حسين جزائري بما يتميز به الإقليم من روابط أسرية قوية , ومؤسسات اجتماعية مترابطة , و قيم روحية و دينية تؤثر إيجابياً في الصحة العقلية لسكانه , فإن المنطقة لا تخلو من المشكلات . و أشار الدكتور جزائري إلى نسبة كبيرة من السكان تواجه مستقبلاً غير معلوم و غير مضمون ,و ترتبط موجات الهجرة الداخلية و التمدن غير المخطط , ارتباطاً وثيقاً بالفقر و تفكك الروابط الأسرية . وتحدث عن خطر الحروب و النزاعات الداخلية التي تزيد من حدة مشكلة اللاجئين البالغ عددهم الملايين في العالم , راهناً , في حين بدأت تظهر مشكلات خاصة بكبار السن , و النساء.
و يبدو الإعلام مقصراً في القيام بدوره في مجال الصحة العقلية , و ربما أسهم في ترسيخ المفاهيم الخاطئة السائدة عن الصحة النفسية . فقد كتبت جريدة أسبوعية مستقلة قبل أيام في صفحة الحوادث : أربعة شبان يغتصبون معتوهة. و في افتتاح مهرجان سينما الأطفال في القاهرة وقع اختيار المنظمين على أغنية محزنة عنوانها " سامحيني يا أمي " لتغنيها مجموعة من الأطفال المعاقين ذهنياً , كأنهم يطلبون المغفرة أمام الجميع على مرضهم ! و من منا لا يتذكر " سي لطفي " في فيلم " إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين " الذي أضحكنا جميعاً على المختلتين نفسياً .... و إلى سلق الأخبار المقتضبة عن الصحة النفسية و التركيز على أسماء الأطباء على سبيل المجاملة, تتعمد الحوارات أو الدراسات في هذا المجال وضع عناوين مقروءة تسهم في زيادة المبيعات أو نسبة المشاهدة , مثل" نصف السكان مجانين " جميعنا مصاب بالاكتئاب".
و أدق ما يوصف به فهم الإعلام لمشكلات الصحة العقلية , شيوع التنميط فالمريض إما "مجنون "و إما " مشروع مجرم عنيف " و إما " مخبول و مصدر للسخرية " . و يعدد الإعلاميون أسباب انزلاقهم في هوة المعتقدات الخاطئة و من ضمنها تدني نوعية المعلومات و كمها , و غياب ما يمكن بثه و فهمه....الخ.
تعليق : النيات الحسنة لا تكفي لتعديل الخلل ..
المقال السابق مفيد و إيجابي عموماً و لا سيما عنوانه ، و أمثلة النظرات الخاطئة عن المريض النفسي , و المعلومات عن مدى انتشار المشكلات الصحية النفسية , و أن منطقة شرق المتوسط معرضة للقلق و التغيرات الاجتماعية على الرغم من مميزات الترابط الأسري و القيم الروحية و الدينية التي تؤثر إيجابياً في الصحة النفسية . إضافة للتأكيد على مسؤولية الإعلام و تقصيره بل و إسهامه في ترسيخ المفاهيم الخاطئة و أمثلة مؤثرة على ذلك .. و غير ذلك من نقاط إيجابية..
إما النقاط السلبية فهي تتلخص في ما يلي :
1- في المقدمة هناك ربط بين ( المرضى النفسيون أو المصابون باضطراب دماغي ) و يبدو أن المقصود هو التخلف العقلي و غيره من إصابات الدماغ الشديدة .. و هذا الربط غير موفق وهو يكرس نظرات شائعة سلبية أصبحت قديمة .. و غير متناسبة مع توسع نطاق الطب النفسي و المشكلات التي يعالجها .. و المصابون بالتخلف العقلي يشكلون حوالي 3% من الناس بينما تصل الاضطرابات النفسية إلى 20% -30% من الناس ..
و لا يعني ذلك تخلي الطب النفسي عن الاهتمام بمشكلات التخلف العقلي أو الحالات الشديدة النفسية و العقلية بل يجب وضعها ضمن وزنها الصحيح و المتناسب مع حجمها .
2- التعريف المذكور للمريض النفسي تحت عنوان من هو المريض النفسي .. غير مناسب و مبالغ فيه إلى حد التشويه و التنفير .. كما أنه غير صحيح .. و إذا سألنا عن أي مريض يتحدث التقرير ؟ و لدينا أكثر من 100 تشخيص للاضطرابات النفسية ؟ وهل تنطبق كل هذه الصفات و هذا " الخلل " على أي منها ؟ و ربما كان ما نقلته الصحفية من قبيل سوء التفاهم .. و لكنه أنقص من الفائدة المرجوة .. و أضاف معلومات سلبية في أبسط وصف .
و أخيراً.. فالمقال مقبول عموماً .. و لكن النيات الحسنة لا تكفي لتعديل " الخلل " .. و لا يمكننا أن نقول أن كاتبة التقرير أرادت أن تكحلها فعمتها و لكنها اقتربت من ذلك..
المصدر : www.hayatnafs.com