طباعة هذه الصفحة
الثلاثاء, 24 نيسان/أبريل 2012 12:45

زيت الزيتون: بين القرآن والعلم

كتبه 
قييم هذا الموضوع
(20 أصوات)

olive-oilلعل الزيتون من أكثر الأطعمة التي حظيت بشرف الذكر في القرآن الكريم، فقد جاء ذكر الزيتون في سبعة مواضع من كتاب رب العالمين، وهي في قوله تعالى في الآية (99) من سورة الأنعام" وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" ،

وقال الحق تبارك وتعالى في الآية (141) من سورة الأنعام:" وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "، وقوله جل من قائل في الآية (11) من سورة النحل:" يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ:" ، وجاء ذكر الزيتون في الآية (29) من سورة عبس في قوله جل وعز:

"وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً " .

ولعل في كثرة ذكر الزيتون دلالة على عظم مكانة وأهمية هذه الشجرة الطيبة، حتى أن الله تعالى أقسم بها في كتابه العزيز فقال  جل من قائل في الآية (1) من سورة التين:"وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ" ، فالله تعالى لا يقسم بشيء مما خلق إلا لعلمه بعظمه وعلو شأنه على غيره من مثيلات جنسه. وفي آية النور دلالة أخرى على أهمية هذه الشجرة، قال تعالى في الآية(35) من سورة النور: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "  ،

فالله تعالى قد وصف الشجرة بأنها مباركة،وكفى به من وصف جامع لكل معاني الخير والنفع، كما امتدح زيتها بنقائه وصفائه وشدة إشعاعه، حتى كأنه يضيء ولو لم تمسسه نار، وفي هذا وصف دقيق لصفاء زيت الزيتون ونقائه، تماماً كما يجب أن تكون نفس المؤمن الذي يشع قلبه بنور الله تعالى، وفي قوله تعالى:"نُّورٌ عَلَى نُورٍ" إشارة إلى صفة النورانية التي اكتسبها زيت الزيتون، وهي مستقاة من نور الله عزوجل " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"،  وكأن لفظة النور توحي بسر من أسرار هذا الزيت المبارك التي أودعها الله عزوجل فيه.

وفي قوله تعالى:"لاشرقية ولا غربية": أي لا يسترها عن الشمس في وقت النهار شيء ، فهي شرقية غربية، والشمس تصيبها بالغداة والعشي، فهو أنضر لها وأجود لزيتها كما قال المفسرون ،كما تشير الآية الكريمة إلى اعتدال هذه الشجرة وتوسط طبيعتها من حيث كونها تنمو في أكثر بقاع الأرض توسطاً واعتدالاً، ومن حيث سهولة زراعتها وقلة كلفتها. لقد أثبت العلم الحديث أهمية تعرض شجرة الزيتون لأشعة الشمس المباشرة، فالتعرض المستمر لأشعة الشمس وما تحوي من الأشعة فوق البنفسجية يدفع هذا النبات إلى إنتاج مركبات تدعى "مانعات التأكسد الطبيعيةNatural "Antioxidants ، والتي تنتجها شجرة الزيتون كوسيلة لحماية نفسها من هذه الإشعاعات الضارة، فتصبح بذلك ثمار الزيتون مستودعاً للمركبات المانعة للتاكسد، وهي مركبات مفيدة لصحة الإنسان وتقوم بدور مهم وأساسي في المحافظة على صحته وحمايته من أمراض السرطان وأمراض القلب والشرايين.

وأخيراً فقد ورد ذكر شجرة الزيتون تلميحاً في الآية (20) من سورة المؤمنون في قوله تعالى:"وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ" ، وهي شجرة الزيتون بدلالة ذكر الدهن والصبغ فيها،على قول الكثير من أهل العلم، وهو ما سنعرج على ذكره لاحقاً .


أما السنة النبوية المطهرة، وهي شارحة القرآن الكريم ومرجع تفسيره ومكملته، فقد حفلت بذكر مناقب ومنافع تلك الشجرة المباركة، وبينت طرق استعمال زيتها ، فقد أخرج الترمذي في كتاب الأطعمة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" أخرجه ابن ماجة والحاكم وقال الألباني حديث حسن. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: " كلوا وادهنوا به فإن فيه شفاءً من سبعين داء منها الجذام"، وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنهأمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" كلوا الزيت وادهنوا به فإنه طيب مبارك" . وقد يتساءل بعضهم قائلا: أن الأحاديث النبوية الشريفة لم تخصص ذكر زيت الزيتون، وكلمة زيت قد تحمل على أنواع أخرى من الزيت، خاصة أن جزيرة العرب لم يكن فيها زيتونٌ أصلاً بسبب الطبيعة الجافة التي لا تناسب نمو شجر الزيتون، الذي يتطلب مناخاً معتدلاً مائلاً إلى البرودة وتتوافر فيه الأمطار؟ والجواب أن زيت الزيتون هو من أقدم الزيوت التي عرف البشر استخدامها، فقد توصل الإنسان إلى انتاج زيت الزيتون منذ آلاف السنين، وعرف عن الإغريق والرومان اهتمامهم بشجر الزيتون وانتاج الزيت حتى قبل بعثة الإسلام، وها هي معاصرهم في الأردن ما زالت شاهدة على مدى اهتمامهم بانتاج هذا النوع من الزيوت، كما أن زيت الزيتون كان يصل إلى جزيرة العرب من خلال التجارة الموسمية التي كانت تقوم بها قريش في رحلة الصيف، حيث كان زيت الزيتون يجلب من بلاد الشام. وفي ذكر الزيتون في القرآن الكريم، وقد نزل على قوم لم يكونوا يزرعون هذه الشجرة، دلالة على معرفة العرب لهذا الزيت، حتى أن العرب لم يكن تعرف الزيت إلا زيت الزيتون، ففي لسان العرب المحيط لابن منظور:" الزيت: عصارة الزيتون"، اي أن كلمة الزيت مشتقة أصلاً من شجر الزيتون. وأخيرا فإن وصف الأحاديث النبوية الشريفة لزيت الزيتون ب"المبارك" "والطيب" ، متناسق مع وصف القرآن الكريم لشجرة الزيتون بالبركة، كما في قوله تعالى:" يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ"، مما يدلل على أن الزيت المقصود في الأحاديث النبوية الشريفة هو زيت الزيتون. كذلك فإن هذا الزيت اكتسب صفة البركة من الأرض التي تنبت هذه الشجرة، وهي أرض الشام التي هي أكناف بيت المقدس التي باركها الله عزوجل من فوق سبع سماوات في سبعة مواضع من كتابه الكريم،أبرزها في قوله عز من قائل:"  سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "، فبركة هذه الشجرة وبركة زيتها مستوحتان من بركة أرضها.


 

إن الحديث عن الشجرة المباركة في القرآن الكريم يدفعنا إلى البحث في معاني البركة ودلالاتها، التي يمكننا إسقاطها على شجرة الزيتون وزيتها المباركين، فمن معاني البركة: الثبات والإقامة، فشجرة الزيتون قديمة عريقة الأصول عميقة الجذور في تاريخ الحضارة والإنسان، وهي شجرة ثابتة القوام، راسخة الأركان في الأرض، لا تقتلعها الرياح العاتية، وها هي أشجار الزيتون المعمرة منذ مئا ت السنين خير شاهد ودليل. ومن معاني البركة:الخيرة والكثرة؛ فهي شجرة خيِّرة عظيمة النفع كثيرة الفوائد وزيتها كذلك عظيم النفع كثير الإستعمال، ومن معاني البركة: التيمُّن والنَّماء والزيادة والسعادة، ففيها من أسباب المحافظة على الصحة ودرء المفاسد والأمراض ما يكون سبباً من أسباب حصول السعادة للإنسان، ومن معاني البركة كذلك: الصدارة في كل شيء؛ فقد حازت شجرة الزيتون قصب السِّبق وأصبحت موضع اهتمام العلماء لما لها من أهمية إقتصادية وصحية وغذائية وبيئية، ولا أدل على ذلك من إقامة المؤتمرات العالمية والمنتديات العلمية والمنظمات المختصة التي تعنى بشجرة الزيتون وبزيتها، ونضرب مثالا واحدا على ذلك وهو المجلس العالمي لزيت الزيتون IOOC(International Olive Oil Council)  ، كما أن زيت الزيتون قد أصبح في طليعة الزيوت النباتية المهمة لصحة الإنسان، حتى أُطلق عليه وصف "ملك الزيوتKing of Oils  " لأفضليته الصحية والتغذويةعلى أنواع الزيوت الأخرى.

أهمية زيت الزيتون

يتميز زيت الزيتون عن غيره من أنواع الزيوت النباتية في طريقة استخلاصه وإنتاجه، فهو الزيت الوحيد الذي يتم إنتاجه بطريقة العصر الميكانيكي البارد، دون تعريض حبات الزيتون لحرارة عالية، ودون استعمال المواد الكيميائية التي تستعمل في عمليات إنتاج الزيوت الأخرى، كما أنه لا يتعرض لعمليات تنقية وتكرير، كما هو الحال في الزيوت النباتية الأخرى، مما يجعل الزيت مصدراً مهماً للمركبات النبايتة الطبيعية، ومن أهمها مانعات التأكسد، الموجودة في حبات الزيتون، والتي أثبت العلم أهميتها وفائدتها لصحة الإنسان.


وتنبع الأهمية الصحية لزيت الزيتون من احتوائه على نوعين من المركبات العضوية الطبيعية، التي يمكن تقسيمها إلى مجموعتين هما: العناصر الغذائية، والمركبات العضوية غير الغذائية.

أما العناصر الغذائية فهي:

أولاً: الأحماض الدهنية: ومن أهمها الحمض الدهني أحادي اللاإشباع، والمعروف ب حمض الأولييك، وهو الحمض الدهني الذي يميز زيت الزيتون غن غيره من أنوع الزيوت النباتية، حيث يتميز زيت الزيتون بارتفاع محتواه من هذا الحمض الدهني وبنسبة تتراوح ما بين 55-85% من مجموع الأحماض الدهنية فيه. وتبرز أهمية هذا الحمض الدهني، كما أشارت نتائج العديد من الدراسات، من دوره في حماية كوليسترول الدم من التأكسد بسبب قلة الروابط الكربونية غير المشبعة، كما اشارت إحدى الدراسات مؤخراً إلى قدرة هذا الحمض الدهني على منع تشكل الخلايا السرطانية بشكل مباشر. ويحتوي زيت الزيتون على نسبة جيدة من الحمض الدهني الأساسي اللينولييك (5-11%)، وهو حمض دهني لا يستطيع الجسم إنتاجه بكميات كافيةويتوجب الحصول عليه من مصادر غذائية.

ثانياً: الفيتامينات الذائبة في الدهن، وأهمها فيتامين هـ: وهو الفيتامين الأهم والأكثر تواجداً في زيت الزيتون، ولئن تواجد هذا الفيتامين بكميات متدنية في زيت الزيتون(12.4 ملغم/100غم) بالمقارنة مع أنواع أخرى من الزيتون النباتية،  مثل زيت دوار الشمس، إلا أنه يتميز بوفرته الحيوية العالية نظراً لاحتواء زيت الزيتون على كميات متدنية نسبياً من الأحماض الدهنية عديدة اللاإشباع وانخفاض عدد الروابط الكربونية غير المشبعة، ولارتفاع محتواه من الحمض الدهني أحادي اللاإشباع. وتنبع أهمية فيتامين هـ من دوره كمانع قوي لتاكسد الخلايا بفعل الجذور الحرة الضارة والتي يعتقد أنها المسبب الرئيس للسرطان، كما يقوم هذا الفيتامين بدور مهم في حماية القلب والشرايين من المركبات الضارة الناتجة عن تأكسد الكوليسترول في الدم والتي يعزى إليها التسبب في انسداد الشرايين وحدوث الجلطة ، وأخيرا فإن الكثير من الدراسات اظهرت دور هذا العنصر الغذائي في منع حصول أعراض الشيخوخة والهرم، وفي المحافظة على نضارة البشرة ومنع تجعدها.


المركبات العضوية غير الغذائية: وهي تمثل المركبات الوظيفية ذات التاثيرات الصحية المهمة، وهي على نوعين: المركبات العضوية الفينولية، والمركبات العضوية غير الفينولية، وهذه المركبات هي مركبات غير دهنية في أصلها، اي أنها لا تتكون من أحماض دهنية، ولكنها موجودة جنباً إلى جنب مع المادة الزيتية أو الدهنية في زيت الزيتون، وهذه المركبات غير الدهنية تشمل مركبات صبغية، أي ذات ألوان مميزة، وهي المسؤولة عن اللون الخاص بزيت الزيتون البكر الجديد، وأهمها الكلوروفيل والفيوفايتين والكاروتينات :

المركبات الفينولية: ويتميز زيت الزيتون باحتوائه على كميات معتبرة من المركبات الفينولية Phenolic compounds والتي يصل عددها إلى ثلاثين مادة،  ويبلغ متوسط محتواها في زيت الزيتون البكر إلى 500 ملغم/لتر، ومن أهمها: التيروسول والهيدروكسي تايروسول، وهي مركبات ذات تأثير قوي وفعال كمانعات للتأكسد، وكذلك مركب الأوليوروبين، وهو المركب المسؤول عن الطعم المر في الزيتون، وقد أثبتت الدراسات أهمية هذا المركب كمانع قوي للتأكسد  ومانع للالتهاب. وتقوم المركبات الفينولية المانعة للتأكسد هذه بالعديد من الوظائف الحيوية والفسيولوجية النافعة لصحة الجسم، ومنها: منع تأكسد الكوليسترول قليل الكثافة في الدمLDL-Cholesterol، والذي تساهم أكسدته في انسداد الشرايين وحصول الجلطة ، والتقليل من محتوى هذا الكوليستورل في الدم وزيادة قدرة الخلايا المناعية على مقاومة الأجسام الغريبة، ومنع تحطم المادة الوراثية في الخلايا الحيية DNAومن ثَم منع حصول السرطان، وكذلك منع نمو الخلايا البكتيرية الضارة، والتخفيف من ارتفاع ضغط الدم.

المركبات غير الفينولية:ومن أهم المركبات العضوية غير الفينولية مركب السكوالين، ويتواجد في زيت الزيتون البكر بكميات عالية تتراوح ما بين 300-700 ملغم/لتر. ولعل من أبرز وأهم الظائف الحيوية التي يقوم بها مركب السكوالين هو تثبيط الهرمون المسؤول عن تصنيع الكوليسترول ودفعه إلى الدم، ومن ثم فهو يشكل عامل وقاية ضد تطور حصول انسداد الشرايين وتكون الجلطة، كما أنه يسهم بشكل فعال في منع حصول السرطان.


وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى سبق قرآني كبير وإعجاز رباني مذهل، ففي قوله تعالى:

" وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ" إشارة إلى وجود نوعين من المركبات التي تنتجها شجرة الزيتون المباركة وهما: المركبات الدهنية أو الزيتية، والتي عبر القرآن الكريم عنها بكلمة:" الدُّهن"، والمركبات الصبغية غير الدهنية،وهي المركبات العضوية الفينولية وغير الفينولية، والتي عبر عنها بقول جل من قائل بكلمة:" صبغٍ"، وأبان أن كلا الجزءين هما "للآكلين"، وهو ما يحصل فعلاً، إذ إن زيت الزيتون يؤكل كاملاً بعد عصره، وذلك بخلاف أنواع الزيوت النباتية الأخرى التي تتم فيها عمليات تصفية وتنقية لفصل المادة الزيتية عن جميع المواد العضوية الأخرى الموجودة في الزيت الخام الناتج عن عملية العصر. وقد دل وجود حرف الواو بين كلمتي "صبغ" و "دهن"، وهو حرف عطف يفيد المخالفة، إلى اختلاف نوع مادة "الدهن" عن نوع مادة "الصبغ"، وهذه حقيقة علمية مقررة أثبتها العلم الحديث.

وأخيراً، فلابد لنا عند الحديث عن أهمية زيت الزيتون وتميزه عن غيره من أنواع الزيوت النباتية الأخرى، من الإشارة إلى التركيبة المتميزة والتوليفة الفريدة التي خص الله عز وجل بها زيت الزيتون، من حيث احتوائه على نسب متوازنة ومتناسبة من الأحماض الدهنية وفيتامين هـ والمركبات العضوية غير الغذائية كالبوليفينولات وغيرها من المركبات العضوية النافعة للصحة، التي تجعل من الزيت برمته منظومة متناسقة متناغمة من المركبات العضوية الطبيعية أودع الله عزوجل فيها سر الغذاء والشفاء، فليست الأهمية نابعة فقط فقط من احتوائه على كمايات كبيرة من حمض الأولييك، إذ إن هنالك زيوتاً أخرى تحتوي على كميات أكبر من هذا الحمض الدهني مثل زيت بذور الشاي، وليست نابعة كذلك من احتوائه على كمية من فيتامين هـ، فهنالك من الزيوت ما يفوق محتواها من هذا الفيتامين عما هو موجود في زيت الزيتون كزيت دوار الشمس.


الفوائد الصحية لزيت الزيتون

لقد التفت العلماء إلى أهمية زيت الزيتون الصحية والتغذوية من خلال الدراسات الوبائية التي أجريت على مناطق مختلفة من العالم، حيث لوحظ تدني نسب الإصابة بأمراض القلب والشرايين وأمراض السرطان بشكل واضح وملموس في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً في دول جنوب أوروبا المطلة على البحر المتوسط، مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، مقارنة مع دول أوروبية أخرى يحصل سكانها على نسب من الدهون الغذائية في غذائهم اليومي متقاربة مع تلك التي يتنالها سكان حوض البحر. وعند البحث حول الأسباب الكامنة وراء ذلك تبين أن للعامل الغذائي دوراً هاماً في تدني نسب الأمراض المذكورة، ومن بين أهم العوامل الغذائية كان تناول زيت الزيتون باعتباره المصدر الأساسي للدهون في الوجبة اليومية، وهو أبرز ما يميز الوجبة الغذائية لسكان حوض البحرالأبيض المتوسط، هذا بالإضافة إلى تناولهم للخضار الورقية والبقوليات ذات المحتوى المرتفع من الألياف الغذائية.

  1. زيت الزيتون وأمراض القلب الوعائية: أظهرت نتائج العديد من الدراسات قدرة زيت الزيتون على منع تكون الجلطات وتجمع الصفائح الدموية المسبب لانسداد الشرايين، مما يوفر حماية ضد الإصابة بالجلطات والسكتات القلبية.كما أبانت الدراسات قدرة زيت الزيتون على خفض الكوليسترول الكلي والكوليسترول الضار LDL والجليسيريدات الثلاثية، وفي الوقت نفسه المحافظة على مستوى الكوليسترول الجيد HDL بل والعمل على رفعه أحياناً، مما يساعد على حماية القلب والشرايين من تراكم الكوليسترول الضار والتسبب في الجلطة، وكذلك حماية مرضى الجلطة من تكرار حصولها ثانية. وهذا ما يفسر تدني نسب الإصابة بأمراض القلب الوعائية في دول حوض البحر المتوسط. وقد عزا العلماء التأثير المخفض للكولستيرول إلى احتواء زيت الزيتون على كمية كبيرة من الأحماض الدهنية أحادية اللا إشباع، وأهمها حمض الأولييك، حيث تعمل هذه الأحماض على تقليل محتوى الدم من الكولسترول قليل الكثافة LDL-Cholesterol ،وهو النوع المسؤول عن حصول الجلطة القلبية وانسداد الشرايين، وأظهرت دراسات أخرى أن زيت الزيتون يقلل من تأكسد الكولسترول قليل الكثافة، وهو ما يمنع حصول تصلب الشرايين الذي يبدأ من عملية التأكسد هذه.بالإضافة إلى ذلك، فقد وجد أن زيت الزيتون يقلل من محتوى الدم من العوامل المسببة للجلطة (العامل رقم 7) والمسؤولة عن تنشيط هذه العملية.وقد عزت بعض الدراسات التأثير المضاد لأمراض القلب إلى محتوى زيت الزيتون من بعض المركبات الطبيعية الموجودة فيه، مثل البوليفينولات ومنها  الأوليوروبين والهيدروكسيتيروسول ، والتي تعمل كمواد مخلبية تمنع تأكسد الكولسترول قليل الكثافة.

    زيت الزيتون وأمراض السرطان:  أشارت العديد من الدراسات إلى قدرة زيت الزيتون على التقليل من خطر الإصابة بأنواع عديدة من السرطان، أهمها سرطان الثدي، والذي يسهم زيت الزيتون في خفضه بدرجة كبيرة، وسرطان الجلد والقولون والبروستات وبطانة الرحم.،وقد عزت الدراسات هذه النتائج إلى محتوى زيت الزيتون من حمض الأولييك ، ومحتواه من المركبات الطبيعية الفينولية والتي تعمل كموانع للتأكسد ومثبطات لعناصرالأكسجين الحرة التي يعتقد بدورها المنشط في عملية التسرطن. وتعزو بعض الدراسات التأثير المانع للسرطان إلى وجود كميات كبيرة من مركبات السكوالين  والتي تقوم بدور مهم في منع السرطان من خلال تثبيط إنزيم HMG-CoA reductase الذي يتوسط في عملية التسرطن.

    2.  زيت الزيتون وارتفاع ضغط الدم: أشارت نتائج العديد من الدراسات إلى أن تناول زيت الزيتون بشكل منتظم يسهم في خفض ضغط الدم، ومن ثم فهو يسهم في الحفاظ على صحة القلب ، حيث أظهرت الدراسات قدرة زيت الزيتون على خفض ضغط الدم بمقدار 8 ملمتر زئبقي (للانقباضي والانبساطي)،وأظهرت إحدى الدراسات التي أجريت على الجرذان أن زيت الزيتون يعمل على ارتخاء عضلات الشريان  الأبهر المسؤول عن ضخ الدم من القلب إلى مختلف أنحاء الجسم، مما يقلل من ضغط الدم الناتج.

    3.  زيت الزيتون ومرض السكري: يسهم زيت الزيتون في المحافظة على صحة مرضى السكري وفي حمايتهم من مضاعفات هذا المرض والاضطرابات الناتجة عنه، فقد أشارت الأبحاث إلى قدرة زيت الزيتون على تحسين مستوى سكرالدم من خلال التقليل من مقاومة الإنسولين في الخلايا، ومنع اضطرابات الدهون في الدم والتي تترافق غالبا مع ارتفاع سكر الدم، حيث يساعد زيت الزيتون على خفض الكوليسترول الضار والجليسيريدات الثلاثية وتحسين مستوى الكوليسترول الجيد، وأخيراً من خلال التقليل من ارتفاع ضغط الدم. لقد أظهرت العديد من الدراسات إلى أن الوجبة الغذائية الغنية بزيت الزيتون والقليلة بالدهون المشبعة، وذات محتوى متوسط من الكربوهيدرات المعقدة الموجودة في الأغذية النشوية،  وتناول كميات عالية من الألياف الغذائية الذائبة من خلال الفواكه والخضاروات، تسهم في الحفاظ على صحة مرضى السكري.


     

    4.  زيت الزيتون والجهاز المناعي: أبانت نتائج العديد من الدراسات فاعلية زيت الزيتون، من خلال محتواه من الأحماض الدهنية،  في التوسط في التفاعلات المناعية وتنظيمها ومن ثم المساعدة في علاج بعض الأمراض المناعية، ومن الأمثلة على ذلك مرض التهاب المفاصل الروماتيزمي المزمن، حيث وجد أن زيت الزيتون يسهم في التخفيف من أعراضه لدى المصابين به، ويساعد على منع حصوله بشكل واضح وملموس لدى الأفراد المعتادين على تناول زيت الزيتون.

    5.  زيت الزيتون والجهاز الهضمي: يسهم زيت الزيتون في التقليل من الإصابة بالقرحة المعدية الناتجة عن الإصابة ببكتيريا الهيليكوباكتر بايلوريHelicobacter Pylori ، كما أنه يتميز بسرعة هضمه وامتصاصه، ويقلل من فرصة الإصابة بحصى المرارة، ويساعد على التخفيف من حدة الإمساك بسبب تأثيره الملين على الجهاز الهضمي.

    6.  زيت الزتون ومرض هشاشة العظام: يساعد زيت الزيتون على ترسيب الكالسيوم في العظام، ومن ثم فهو يشكل عامل وقاية ضد خطر الإصابة بهشاشة ولين العظام، ويعزى هذا الأثر إلى احتواء زيت الزيتون على مركيبات شبيهة بالإستروجين ، وهو الهرمون الذي يرتبط نقصه عند النساء في مرحلة سن اليأس وانقطاع الطمث بحصول هشاشة العظام.

    7.  زيت الزيتون وصحة الجلد: نظرا لمحتوى الزيت المرتفع من مانعات لتأكسد، وأهمها فيتمين هـ والبوليفينولات، فهو يسهم بشكل فعال في منع تأكسد الخلايا وحماية الجلد من الإصابة بالسرطان، حيث أشارت العديد من الدراسات إلى فاعلية زيت الزيتون في منع حصول السرطان الناتج عن التعرض الشديد للأشعة فوق البنفسجية، وهذا يذكرنا بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:

    " كلوا الزيت وادهنوا به..." .

    وختاماً، فإن الفوائد الصحية والغذائية التي يتميز بها زيت الزيتون تدفعنا إلى المزيد من الاهتمام في تناول هذا الزيت واستعماله كي نتمكن من جني فوائده ومنافعه، مسترشدين في ذلك بما توصل إليه العلم الحديث حول أهمية هذا الزيت، ومهتدين بوحي كتاب الله وهدي محمد صلى الله عليه وسلم، الذين هديانا إلى استعمال هذا الزيت والاهتمام به قبل أربعة عشر قرناً من الزمن.


    المراجع العربية :

    -        القرآن الكريم

    1. مدخل إلى الغذاء في القرآن الكريم، عزيزة ياسين بدر، 2004، الدار العربية للعلوم.
    2. البركة في القرآن الكريم، عزت محمود فارس، بحث غير منشور.
    3. لسان العرب المحيط، العلامة ابن منظور، بيروت.
    المراجع الأجنبية :

    1. Encyclopedia of Food: A guide to Healthy Nutrition, Academic Press, 2002, California.

    2.Olive Oil: from the Tree to the Table, 1998, A.K.Kiritsakis, Food and Nutrition Press.

    3.Simopoulos, A.P. (2001). The Mediterranean diets: what is so special about the diet of Greece? The scientific evidence. Journal of Nutrition, 131 (supp.), S3065-S3073.

    4.Tuck, K.L., and Hayball, P.J. (2002). Major phenolic compounds in olive oil: metabolism and health effects. Journal of Nutritional Biochemistry, 13, 636-644.

     

    5.Visioli, F., Galli, C. (1998). The effects of minor constituents of olive oil on cardiovascular diseases, new findings. Nutrition Reviews, 56 (5), 142-147.

     

    6.Visioli, F., and Galli, C. (2000). Olive oil: more than just oleic acid. American Journal of Clinical Nutrition, 72, 853.

    7.Visioli, F., and Galli, C. (2002). Biological properties of olive oil phytochemicals.  Critical Reviews in Food Science and Nutrition, 42 (3), 209-221.

     

    8.Visioli, F., Bellomo, G., and Galli, C. (1998). Free radical-scavenging properties of olive oil polyphenols.  Biomedical and Biophysical Research Communications, 247, 60-64.

    9.International Olive Oil Council (IOOC): www.internationaloliveoil.org

     

    مشاركة من : مركز اليادودة القرآني

    إقرأ 37346 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 25 أيلول/سبتمبر 2012 08:32

    من أحدث د. معز الإسلام فارس