طباعة

الهوية الإسلامية لأبناء الأقلية العربية في دولة اسرائيل

Posted in الثقافة

ليس معرض الحديث هنا هو التحديد أنّ هويّة أبناء الأقلية العربية في دولة اسرائيل هي هوية إسلامية. فلو كان كذلك لتحددت الهوية وكأنّها انتماء أبناء الأقلية لجماعة المسلمين وهذا غير دقيق لأن منهم المسيحيون والدروز أيضا ً كما أنّ المسلمين أنفسهم ينتمون إلى جماعات أخرى غير المسلمة كالعربية والفلسطينية والإسرائيلية. أمّا كون الأغلبيّة السّاحقة من أبناء الأقليّة العربيّة هم من المسلمين وينسبون أنفسهم لجماعة المسلمين فهذا هو التصنيف الذاتي لأنّ التصنيف الذاتي، كما عرّف في الأبحاث السّابقة، هو انتماء للجماعة الاجتماعية .
وعمليّة التصنيف الذاتي تولد إبراز الشبه بين "الذات" والآخرين (أعضاء الجماعة الداخليّة) والفروق بين الذات والآخرين (أعضاء الجماعة الخارجيّة). وفي هذه الحالة فالانتماء إلى جماعة المسلمين يعني أنّ المشترك بين الفرد المشارك في عيّنة البحث والآخرين أعضاء جماعته هو الديانة الإسلاميّة. ولهذا فهم يختلفون عن الجماعات الأخرى، وخاصّة اليهوديّة لأنّها جماعة الأغلبيّة التي يعيشون معها في نفس الدولة. فإبراز الفرد المسلم لانتمائه لجماعة المسلمين هو التماثل الاجتماعي مع هذه الجماعة social identification.
كما إن الحديث ليس الإجابة عن السؤال: هل هوية أبناء الأقلية هي إسلامية؟ لأن الهوية ليست انتماء فقط إنما هي أكثر من ذلك إذ أنّ الانتماء إلى جماعة معيّنة ما هو إلا أحد مركبات الهويّة الجماعيّة لأفراد هذه الجماعة وليس هويّة بحد ذاتها. فكل من بحث الهويات تحدث عن هويات مركبة ومتعددة وتحدثوا عن أكثر من انتماء أيضا ً. كما أنّه لا يمكن من ناحية علمية التعميم العفوي وغير المبني على أسس علمية.

<hrdata-mce-alt="2" class="system-pagebreak" />


أما إن الهوية الإسلامية هي إحدى مركبات الهوية الجماعيّة لأبناء الأقلية العربية فهذا وارد. لأن من مركبات الهوية الجماعيّة لأبناء الأقليّة المركب الإسلامي، والعربي، والفلسطيني والاسرائيلي بالإضافة للهويات الأخرى المحلية، العائلية الحمائلية، وغير ذلك. ففي البحث الذي أجريته عن الهوية الجماعية لأبناء الاقلية العربية وجدت أن الهوية الإسلامية كتصفيف ذاتي كانت الهوية الثالثة في ترتيب الهويات التنازلي بعد العربية - فلسطينية والعربية - إسرائيلية . ولكنها كانت الهوية الأولى بين الهويات الأحادية.
يشار في هذا الخصوص إن من الهويات المعطاة هويات مركبة (تعريف الفرد لذاته يكون مركّبا من أكثر من هويّة واحدة) وهويات أحادية (تعريف الفرد لذاته يكون مركّبا من هويّة واحدة فقط). ويظهر أن اختيار أفراد عينة البحث للهويات المركبة هو اسهل من اختيارهم للهويات الأحاديّة.
لقد كان الترتيب التنازلي للهويّات الأحاديّة في البحث المشار اليه أعلاه، كالتالي: إسلاميّة، عربيّة، فلسطينيّة، وإسرائيليّة. وفي كل هذه الهويّات كانت هناك فروق قليلة فقط بين الجنسين. فقد اختار الهوية الإسلامية 13.1% من مجموع الذكور المشاركين في عيّنة البحث في حين اختارها 11.2% من مجموع الإناث وهكذا فقد اختارها 11.9% من المشاركين في عيّنة البحث بشكل عام.
وتشير نتائج هذا البحث أنّه في كلّ واحد من التّصنيفات الذاتيّة الناقلة (حين يعرّف الفرد نفسه بتعريف معيّن ويتجاهل بقيّة التعاريف أيّ أنّ اختيار هذا التعريف يخرج أو ينقل بقيّة التعريفات) بما في ذلك "إسرائيلي" و"إسرائيلي- فلسطيني" أدركت غالبيّة المشاركين في البحث أنّ الهويّة الإسلاميّة ملائمة لهم كما أنّ انتماءهم للعالم الإسلامي مهم بالنسبة لهم. إنّ النتائج الخاصّة بالهويّة "إسرائيلية" و"إسرائيلية- فلسطينية" تظهر أنّها مهمّة وخاصّة إنّ نسبة كبيرة ممن اختاروا هذه الهويّة قد عرّفوا أنفسهم كـ"مسلمين".
أمّا بشأن ملائمة الهوية الإسلامية لأبناء الأقليّة العربيّة حسب التصنيفات الذاتيّة المختلفة فإنّ 97.7% ممن عرفوا أنفسهم كـ"عرب- فلسطينيين" يعتقدون أنّ الهويّة الإسلاميّة ملائمة لهم وأنّ 96.1% منهم يهتمون بانتمائهم للعالم الإسلامي. كما أنّ 94.1% ممن عرفوا أنفسهم كمسلمين يعتقدون أنّ الهويّة الإسلاميّة ملائمة لهم و93.4% يهتمون بانتمائهم للعالم الإسلامي.

<hrdata-mce-alt="3" class="system-pagebreak" />


وبشكل عام، فقد وجدت أنّ الهويّة الإسلاميّة ملائمة لمن عرّفوا أنفسهم بكافة التصنيفات الذاتيّة المختلفة حتى من عرّفوا أنفسهم بأنهم "إسرائيليون" (87.8%) أو "إسرائيليون- فلسطينيون" (87.3%).
وعند مقارنة الهويّة الإسلاميّة بالهويّات الأخرى لأبناء الأقليّة العربيّة وجد أنّ هذه الهويّة، مثلا، ليست بالضرورة مناقضة للهويّة "العربيّة – الإسرائيلية" والتي اختارها 13.3% من أفراد عيّنة البحث و93.5% منهم تلائمهم الهويّة الإسلاميّة. ولكنها وجدت متناقضة ، مثلاً، مع الهويّة الإسرائيلية فمن بين من عرّفوا أنفسهم كـ"مسلمين" هناك %23.6 فقط قالوا أنّ الهويّة الإسرائيليّة ملائمة لهم وبالمقابل فمن بين الذين عرّفوا أنفسهم كـ"عرب" هناك %51.7 قالوا أنّ الهويّة الإسرائيليّة ملائمة لهم. وصورة مشابهة ولكنّها أقل بروزاً كانت بالنسبة لأهميّة الانتماء لدولة إسرائيل فإنّ %38.9 ممّن عرّفوا أنفسهم كـ"مسلمين" يهتمون بانتمائهم لدولة إسرائيل في حين أنّ %48.9 ممّن عرّفوا أنفسهم كـ"عرب"، مثلاً، يهتمون بهذا الانتماء. هذه الصورة تشهد بأنّ الهويّة الدّينيّة ترى وكأنّها أقلّ ملائمة للهويّة الإسرائيليّة من الهويّة العربيّة.
لقد أظهرت نتائج البحث المذكور أنّ الهويّة الإسلاميّة لأبناء الأقليّة العربيّة ذات علاقة قويّة بالمنطقة السكنيّة فقد أشارت نتائج البحث الحالي أنّ نسبة من اختاروا الهويّة الإسلاميّة من المثلث (14.3%) والنقب (15.2%) أكثر من الجليل (9.1%) والمدن المختلطة (2.5%). ولقد اختفى المركب الإسلامي في التعريفات الثلاثة الأولى في الجليل والمدن المختلطة ولكنه وجد كتصنيف شائع ثان في المثلث والنقب. ويمكن أن يكون ذلك بتأثير الجذور العميقة للحركة الإسلامية وللحركات القوميّة في هاتين المنطقتين. وهناك تفسير بديل آخر لانتشار المركب الإسلامي في هويّة أبناء الأقليّة العربية في المثلث والنقب وهو أنّ ظروف هؤلاء الأفراد صعبة من حيث حياتهم القرويّة وتعامل السلطات معهم بالمقارنة مع تعاملها مع السكان في الجليل والمدن المختلطة. إنّ هذا التفسير بناء على انطباعاتي الخاصّة ولم تتوفّر لديّ أيّة حقائق كميّة أو نوعيّة.

<hrdata-mce-alt="4" class="system-pagebreak" />


كما وترتبط الهويّة الإسلاميّة بمدى محافظة السكان الاجتماعيّة فقد كانت بين صفوف المدنين 6.3% في حين كانت 15.3% عند بدو النقب
و9.6% لدى القرويين و9.3% لدى بدو الشمال.
ومن الجدير بالذكر، أنّ مدى محافظة أبناء الأقليّة من ناحية اجتماعية قد ساهم في تحديد انتشار الهويّة "الإسلاميّة". فسكان الجليل، مثلاً، معظمهم من المدنيّين لهذا يمكن الافتراض أنهم أقلّ محافظة من غيرهم ممّا لا يبرز الطابع الديني لديهم.
أمّا التقييم الذاتي لأفراد الجماعة الإسلاميّة فهو تقييم إيجابيّ في حين يفترض أنّ تقييمهم الذاتي متدن. استناداً إلى أنه من الناحية الفكريّة والسياسيّة فالجماعة تشكل مجموعة ناقدة لا تقبل الاتفاقيات بين دولة إسرائيل وبين الفلسطينيّين في الضّفة والقطاع ومنظمة التحرير الفلسطينيّة. كما انّهم يرون في هذه الاتفاقيات تهميشاً لأبناء الأقليّة العربيّة في دولة إسرائيل. فحسب رأي أفراد هذه الجماعة، فإنّ أبناء الأقليّة العربيّة الذين يقبلون عمليّة الأسرلة سيحظون بحقوق جزئيّة وسوف يطرد معارضو الأسرلة إلى الدول العربيّة أو إلى مناطق السلطة في الضّفة والقطاع. وعليه فقد افترضوا أنّ مركز جماعتهم متدن بالنسبة لجماعة الأغلبيّة اليهوديّة وبالنسبة للجماعات الأخرى من أبناء الأقليّة العربيّة ولهذا فتقييمهم الذاتي للجماعة سيكون متدنياً جدّاً أيضاً.
وهناك أيضاً ما يلفت الانتباه ويجدر ذكره أنّ أفراد الجماعة الذين يعرّفون أنفسهم كـ"مسلمين" لم تكن هويّتهم بالضرورة "إسلاميّة". وأنّ الأمر في الواقع يظهر غير ذلك لأنّ التضامن مع الجماعة لم يكن تضامناً بشكل كبير وذلك لأنّ التضامن مع جماعة المسلمين يعتبر تضامنا مع جماعة تؤيّد جماعات متطرّفة في الضفة والقطاع وفي العالم العربي وبغالبيّتها تعرّف كجماعات إرهابية.
الهوامش:
1. Turner, J. (1982). “Towards a cognitive
redefinition of social group”, In H.Tajfil, Social Identity and Intergroup Relations. Cambridge: Cambridge University Press.
2. نفس المصدر
3. للإستزادة يمكن التوجه لرسالة الدكتوراة للباحث.
Hujierat, M. 2005. The collective Identity of Arab Israeli Students: Identity complexity and collective self esteem. Beer Sheva.
 

 

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed