طباعة

المعايشة التربوية

Posted in الثقافة


د- ألا تؤدي إلى إهمال المربي نفسه في الارتقاء : في خضم معايشة المربي لمن يربيهم ، ومخالطته إياهم ، والسعي الجاد في تقديم النصح والتوجيه الذي يساهم في الارتقاء بهم ، قد ينسى المربي نفسه وأن لها حقاً من الاهتمام والارتقاء بها ، فمتى ما أهمل المربي نفسه في جانب الارتقاء بالنفس فلربما قاده ذلك إلى فقدان رصيده في يوم من الأيام ، حتى يصبح المربي ليس عنده ما يعطي المتربي ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، ومن ثَمَّ يفقد المربي صفة هي من أهم الصفات ؛ وهي صفة العطاء ؛ فنحن لا نريد أن يكون المربي كالشمعة تضيء للناس وتحرق نفسها ، إنما نريده أن يكون كالشمس تضيء للآخرين مع حفاظها على خاصية التوهج في نفسها . فينبغي للمربي التوازن بين معايشة لمتربين والارتقاء بهم ، وبين لارتقاء بنفسه ، والتزود بما فيه صلاحها وتزكيتها ، وقربها من الله .

لذلك هناك نوع من العزلة الجزئية ، يُقْصَد من ورائه العزلة للتربية ، حيث يخلو المرء بنفسه أحياناً بقصد التعبد ، أو التزود من العلم ، أو محاسبة النفس ، أو نحو ذلك من الأغراض والمقاصد التربوية . وقد كان من صنع الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم- أن وفقه قبل نزول الوحي عليه لهذا النوع من العزلة ، وحبب إليه الخلاء ، فكان يخلو في غار حراء ، فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد ، قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود بمثلها حتى جاءه الحق ، وهو في غار حراء [20] .

هـ- البعد عن الدخول في الخصوصيات : كل الكائنات الحية تحتفظ لنفسها بمجال حيوي تعد اقتحامه نوعاً من العدوان عليها ، ويأتي الإنسان على رأس القائمة . قال- تعالى- : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ { (المائدة : 101) ، ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد من هذه الآية : هو السؤال عمَّا لا يعني من أحوال الناس ؛ بحيث يؤدي ذلك إلى كشف عوراتهم ، والاطلاع على مساوئهم [21] .

ولعل مع المعايشة قد يغفل المربي عن هذا الضابط ، فيُسَوِّغُ لنفسه السؤال عما لا يعني ، والاطلاع على ما يخص من يربيهم دون إذنهم ، وكل هذه الأمور محرمة شرعاً ، وجرأة بعض المربين على تجاوزها داخل في عموم قوله- تعالى- : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ{ (الحجرات : 12) .

و- ألا يهمل الوَرَعَ الشرعي الواجب : ومن ذلك ما يتعلق بصحبة ومعايشة الأمرد ؛ فقد يخلُّ المربي بالوَرَع الشرعي في ذلك فيخلو به ، أو يسافر معه وحده ، أو يبيت معه ، أو غير ذلك بمسوغ المعايشة ، وهي أمور قد ينشأ عنها نتائج غير محمودة ؛ لذا شدد السلف الصالح رضوان الله عليهم في صحبة الأمرد ، والآثار في ذلك كثيرة ومنها :

1- ما رواه البيهقي في الشُّعَب عن بعض التابعين قال : « كانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الجميل » [22] .

2- روى أيضاً عن بعض التابعين : « ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضارٍ من الغلام الأمرد يقعد إليه » [23] .

3- روي عن الحسن بن ذكوان أنه قال : « لا تجالسوا أولاد الأغنياء ؛ فإن لهم صوراً كصور النساء ، وهم أشد فتنة من العذارى » [24] .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed