الثلاثاء, 18 أيلول/سبتمبر 2012 19:23

التعايش مع زوج خائن

كتبه  د.عامر غضبان
قييم هذا الموضوع
(5 أصوات)

w-ringsكلمة "زوج" في هذا المقال تعني الزوج الذكر والزوجة الأنثى، ومقصد المقال أن يبحث في موضوع التعايش بين زوجين حدثت من أحدهما خيانة، لكننا نتوقع أن الزوجات يخترن التعايش مع واقع خيانة الزوج أكثر مما يختار الرجال التعايش مع خيانة الزوجة.

الخيانة تعني أن يقوم أحد الزوجين بسلوك لا يصح أن يتوجه إلا لزوجه،

 

مما هو خاص بين الزوجين في الأسر السوية، وهي بهذا المعنى تشمل المعاشرة الجنسية وما يشير إليها وما يتعلق بها، لكننا نخص في هذا المقال السلوك الموجه نحو شخص آخر محدد يحرم الاتصال به، غير الزوج الذي أباح العقد الشرعي الاتصال به، سلوك الخيانة هذا هو الذي يثير النزاع ويهدم الأسر.

إن الزنا من أكبر الكبائر، وهو الفاحشة التي حذر الله تعالى من ارتكابها، بل من قربها، أي ارتكاب ما يؤدي إليها من أعمال ولو كانت صغيرة. والزنا علاقة جنسية محرمة تتناقض مع العلاقة الجنسية المشروعة التي تقوم عليها البيوت الآمنة والأسر السوية. هذا مبدأ ننطلق منه في معالجة موضوع الخيانة، فالبحث في الموضوع ومعرفة آثاره لا يعني قبوله، وإقراره واقعاً لا يعني إقراره شرعاً ولا خلقاً.

وبعد إقرارنا بمبدأ حرمة الزنا نسأل: هل يمكن أن يكون التعايش بين زوجين أحدهما خائن حلاً حقيقياً؟ وهل يمكن أن تستمر معه الحياة الزوجية أو تستقر؟

أن الكثير من مواقع الاستشارات النفسية يقترح التعايش لحل المشكلة بين الزوج الخائن وشريكه، ومع ذلك يجب التأكيد على أن التعايش هو خيار من خيارات أخرى متعددة في حال حدوث الخيانة، فحالات الانفصال بأشكاله المتعددة هي خيارات أخرى ممكنة، لكننا سنبحث هنا في حالات اختيار التعايش واستبعاد خيارات الانفصال.

إن علينا التفريق بين حالتين مختلفتين للتعايش، بين حالة التعايش عندما يكون قراراً، وحالة التعايش عندما يكون استسلاماً وعجزاً.

إذا كان التعايش قراراً فإن هذا يعني أن الشريك الذي اتخذ هذا القرار درس البدائل الممكنة واختار أن يتعايش مع الوضع الجديد، طالما أن الشرع والقوانين السائرة لم يقدما هذا الخيار وحده، وفي أغلب الأحيان يمتنع متخذ قرار التعايش عن اللجوء للقانون، لأن مجرد اللجوء للقانون يعني رفض خيار التعايش، وهذا بالأخص في حالة وصول الأمر إلى اللعان بين الزوجين.

أما حالة الاستسلام والعجز فهي التي تنتج عن سلبية الزوج الضحية، وعدم تمكنه من اتخاذ خطوات مقررة ضمن استراتيجية محددة ورؤية واضحة، إنما خطواته هي ردود أفعال لمثيرات البيئة وحوادث الواقع، وعادة ما يتبع الزوج الضحية آراء وتوجيهات الأشخاص الآخرين المسيطرين في بيئته.


وحتى لا يكون التعايش استسلاماً وعجزاً يجب على ضحية الخيانة أن يعرف ماذا يريد، وماذا يستطيع. إن التصرف المبني على المعرفة الصادقة بالنفس وبالواقع هي التي تنتج القرار الصحيح والقوي، وما سوى ذلك هو نوع من الضعف.

وعند اتخاذ قرار التعايش علينا التفريق بين شريك قام بالخيانة ثم تاب من جريمته، وشريك لم يترك خيانته، فالتعايش مع التائب من خيانته إن كانت توبته نصوحاً يعني أن يقبل الشريك توبته ويعفو عن خطئه، لكن حتى يؤدي العفو إلى بناء أقوى للعلاقة بين الزوجين وإلى تأسيس أوثق للأسرة والبيت يجب أن يترافق مع بعض الإجراءات والتغييرات من كلا الطرفين، من هذه الإجراءات:

1-    مراجعة لتاريخ العلاقة بين الزوجين وتذكير بأسسها، واعتماد هذه المراجعة مبدأ الصراحة دون التجريح والإساءة، ولا ريب أن هذه الخطوة تتطلب مهارة عالية في إدارة العواطف وضبط الانفعالات، لكنها في حال نجاحها قد تعيد العلاقة أقوى مما كانت.

2-    بعد المراجعة على الزوجين تحقيق صدق التوبة من المخطئ، وصدق العفو من الضحية، وإذا صدقت التوبة من المخطئ فإن من حسن العفو وتمام المغفرة ألا يعاد ذكر هذه الحادثة في الفترات التالية، حتى لو كان ذلك في مواقف توتر ونزاع. ليس من الحكمة أن تقول الزوجة لزوجها: ألست أنت الذي فعل كذا وكذا؟ وليس من التسامح أن يبقى المتسامح يَمُنّ بتسامحه: لقد احتملت منك كذا وكذا ...

3-    وإذا تحقق صدق التوبة وصدق القبول يصبح من الضروري صيانة الأسرة من آثار الخطأ الذي حصل، بصيانة خصوصية العلاقة بين الزوجين، وصيانة خصوصية الأسرة في محيطها الاجتماعي، فليس من الضروري أن يعرف أعضاء الأسرة الآخرون بالخيانة وآثارها، وليس من الضروري أن يعرف ذلك المتصلون بالأسرة من أقارب وأصدقاء. وعلى الزوجين بذل الجهد والتعاون الكافي لتأمين هذه الحماية.

 

إن علينا أن نتأكد ونؤكد أن التوبة نجاح، وأن العفو تميز، وأن الأسرة التي تقوم على هذا النمط من السلوك هي أسرة سوية، بل متميزة.

أما الزوج الذي لم يترك خيانته، ضعفاً أو قصداً، فهو لن يبني بيتاً صالحاً، ولا أسرة هانئة، ومع ذلك قد يكون التعايش معه هو القرار المتخذ، لأن كل ما سواه أسوأ منه، خاصة عندما لا يوجد في المحيط الاجتماعي أطراف تساند الضحية.

والأزواج الذين يتعايشون مع شركاء ما زالوا يمارسون خيانتهم، أو لم يعلنوا توبتهم منها، يستخدمون استراتيجيات متعددة، وسنذكر بعض هذه الاستراتيجيات التي يحاول فيها الضحايا التوفيق بين نوازع أنفسهم المتصارعة، أو المواءمة بين عناصر بيئاتهم المتعارضة. فمن هذه الاستراتيجيات:

1-    تحويل العلاقة المحرمة إلى علاقة مباحة، وهذا في حالات الزوجات اللواتي يوافقن على البقاء مع أزواجهن إذا تزوج الرجل من المرأة الأخرى زواجاً شرعياً، فتقبل المرأة الأولى أن تعيش مع ضرتها مادامت علاقة الرجل بالمرأة الأخرى شرعية، وتتمكن المرأة من التغلب على مصاعبها بعد اطمئنانها إلى دينها وأساس شرعية بيتها. وقد تتمكن المرأة من تحقيق التكيف الطبيعي والنمو السوي في نفسها وواقعها، خاصة في المجتمعات الإسلامية التي تقر تعدد الزوجات.


 

2-    الحوار ومخاطبة الزوج الخائن بقصد تغييره ودفعه للتراجع والتوبة، كثير من الأزواج يصبرون على العيش مع شريك يعرفون خيانته، لكنهم يأملون تغييره من خلال الحديث المباشر معه ومحاولة إقناعه. وقد تنجح هذه المحاولات في ظروف محددة، مثلاً حين يشعر الزوج الخائن بخطر فقدانه لأسرته وسكينته، أو حين يشعر بصدق عاطفه زوجه المتوجهة نحوه.

3-    إجراء تغييرات في بيئة الزوج الخائن الأسرية قد تدفعه لتغيير سلوكه، مثل بذل مزيد من الرعاية العاطفية والعطاء في العلاقة الزوجية، أو بذل مزيد من العناية المادية بالأسرة والبيت، وربما لا تنجح هذه الاستراتيجيات دائماً، لكنه إن نجحت ولو جزئياً فإنه يمكن البناء على هذا النجاح والاستمرار في تحسين نمط العلاقة الزوجية الشرعية، وتنمية العلاقات الأخرى في الأسرة، والوصول إلى التخلص من الخيانة وآثارها.

4-    خفض مستوى العلاقة الزوجية الخاصة إلى المستوى الأدنى، خاصة في الجانب العاطفي، وربما قطع هذه العلاقة مع بقاء الأسرة في بيت واحد قائم ظاهرياً، فكثير من الأزواج يعيش مع الشريك الخائن بجسده، وربما بقدر بسيط محسوب من عواطفه، بينما هو يعيش حقيقة في عالمه الخاص وحيداً، وتتفاعل مشاعره داخل هذا العالم دون أن يعرف شريكه أو يلاحظ شيئاً من نواتج هذا التفاعل. وهذا النمط من العلاقة له أضراره الكثيرة، وأخطاره الداهمة، وأحياناً تتوجه الضحية نحو التخفيف من هذه الآثار الضارة، مثل الحفاظ على الأبناء ورعايتهم في هذا الواقع القائم.

5-    قد يكون التعايش بين الزوجين قائماً بسبب تغيرات معرفية قامت بها الضحية، فغيرت تصورها عن العلاقة الزوجية والأسرة ونوع السكينة والسعادة الموجودة فيها، مثل الاعتقاد أن الخيانة موجودة في كل الأسر، أو أن الخيانة بالنسبة لزوجها حاجة ضرورية لا يمكنه تركها ... وأغلب هذه التغيرات المعرفية هي تشوهات معرفية وصور من صور قصور الإدراك وغياب الرؤية الشاملة أو تغييبها.

6-    تتحول العلاقة بين الزوجين في بعض حالات التعايش إلى صراع دائم ومعارك مستمرة، حين تقرر الضحية الانتقام من الزوج الخائن والتشفي برؤيته غاضباً، أو حزيناً، أو مضطرباً، أو منهاراً، وهو القرار الأسوأ في أي أسرة، وأسوأ القرارات السيئة هو رد الخيانة بخيانة أخرى ترتكبها الضحية، ومن المؤكد أن قرار الانفصال أفضل من قرار الاستمرار في حياة نكدة، ومن الإمساك بغير معروف، ومن عيش الضرر والضرار.

إن التعايش في حالات الخيانة كما أسلفنا هو اختيار بين اختيارات ممكنة متعددة، ويبقى على المجتمع مسؤوليته في دعم القرار الصائب في الأسرة، ومع وجود الدعم الاجتماعي أو عدمه من المؤكد أن الزوج الذي يتخذ قرار التعايش يحتاج للكثير من مهارات إدارة الذات وقدرات الذكاء الانفعالي، وهو موقف صعب في كل الأحوال، يحتاج للاستعانة بالله تعالى أولاً وآخراً، وقد قال الله تعالى: ﴿إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما﴾ [سورة النساء: 35].

إقرأ 25976 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 25 أيلول/سبتمبر 2012 08:32
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed