الجمعة, 27 نيسان/أبريل 2012 14:17

الإسلاميون والنخبة-نحتاج إلى الأخلاق لإدارة الاختلاف

كتبه  مصطفى عاشور
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

islam-qلم يتوقف الصخب بين العلمانيين والليبراليين وما يسمى بالقوى المطالبة بمدنية الدولة المصرية من جانب، وبين الإسلاميين، سواء أكانوا من السلفيين أو الإخوان أو حتى حزب الوسط من جانب آخر، وقد أخذ هذا الجدل حالة من الحدة بدت في بعض ملامحها تمثل حالة استقطاب كبيرة تزداد عمقا بما يثير الخوف من حدوث شرخ بين كثير من القوى التي ساهمت في ثورة يناير.

 

حالة الاستقطاب البادية في الأفق بين القوى السياسية المصرية، ستنعكس على الوضع السياسي القادم الذي بدأت الخطوات على طريق إنجازه من خلال الانتخابات التشريعية التي بدأت مرحلتها الأولى، وتشير النتائج الأولية بأن الإسلاميين سيتجاوزون نسبة نصف المقاعد.

فعقب ظهور المؤشرات الأولية للمرحلة الأولى، والتي حصل فيها الإسلاميون بكافة تشكيلاتهم على أكثر من نصف المقاعد، برزت حملة إعلامية تعرب عن مخاوف ما يسمى بـ”النخبة” من بوادر فوز الإسلاميين، وادعاء أنهم يشكلون خطرا على مصر ومستقبلها وعلاقاتها، بل وعلى نسيجها الداخلي، وظهرت تصريحات لفنانين، بعضهم يعلن أنه سيترك مصر إذا اكتمل فوز الإسلاميين، والآخر أعلن أنه سيستمر رغم فوزهم، لكنه سيقوم بمناهضتهم.

وترافق مع ذلك إعلان بعض المرشحين الذين فازوا في الانتخابات من غير الإسلاميين، مثل الدكتور عمرو حمزاوي، أن فوزه هو انتصار للدولة المدنية، أو الصحافي مصطفى بكري الذي صرح عقب فوزه أن الإسلاميين على المحك، وعليهم أن يثبتوا أنهم مختلفون عن “الحزب الوطني” المنحل..أو لجوء البعض إلى الطعن في نتائج فوز الإسلاميين أمام مجلس الدولة، تحت دعوى أن حزبي الحرية والعدالة والنور حزبان دينيان مثل الدعوى التي تقدم بها المحامي القبطي نجيب جبرائيل، رئيس المجلس المصري لحقوق الإنسان.


كذلك عناوين المقالات التي ظهرت في بعض الصحف، وأشارت إلى “حزن” ميدان التحرير وشبابه على النتائج الأولية للانتخابات في مرحلتها الأولى، وأن كثيرا من الشباب يشعر أن الثورة سرقها الإسلاميون ووضعوها على طريق غير التي يريدها الثوار.

أما في وسائل الإعلام الجديد، فكانت موجات النقد والتخوف من النتائج بلا حدود، واقترن ذلك بمجموعات من النكات والسخرية واستخدام الغرافيك ومقاطع الفيديو، وهو ما خلق مشهدا مخيفا من احتمال تعمق الشروخ بين المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم.

وأكثر ما يقلق في الخطاب الإعلامي لما يسمى بـ”النخبة المصرية” في ظل الانتخابات النيابية الحالية، هو أنه يعمق فكرة الاستقطاب بين التيارات، ويلغي المناطق الوسطى بين التيارات السياسية، بل ويحسم اختيارات بعض القوى السياسية الحائرة نحو معسكراتها التي انطلقت منها، وهو ما يحتاج إلى وعي حقيقي من النخبة لأن تسعى إلى بناء توافقات وطنية حقيقية يمكن البناء عليها للنهوض في البلاد، ومن الضروري عدم المبالغة في عزل الإسلاميين عما يسمى بـ”النخبة” أو حصرهم في معسكر واحد، رغم التنوع والاختلاف بينهم، أو السير وراء دعوات، بأنهم غير مؤهلين للعمل السياسي أو التحرك بعقلية النظام المخلوع من إقصاء الإسلاميين لأن ذلك ينتج ديمقراطية عرجاء، بل ويجعل ممارسة الديمقراطية تنحصر في فئة من الناس، وليس في مجموعهم، ويجعل طرفا يقوم بدور القوامة على الديمقراطية.

الاختلاف يحتاج إلى الأخلاق

والواقع أن بعض المفكرين الغربيين رأى أن المجتمعات الإنسانية لا تنفك عن الصدام، ورأى العالم الاجتماعي الشهير ماكس فيبر أن ذلك التصادم سلبي، لأنه يحول ذلك التنوع إلى صدام يشبه “صدام الآلهة” عند الإغريق، فالكل ينطلق من أن موقفه “مقدس” ومن ثم تكون المجتمعات في حالة صدام كبرى وعدم قدرة على التعايش، لأن تلك “الألغام المقدسة” زرعت في الضمائر ولن تتحقق الراحة الداخلية لأصحابها إلا إذا نزعوا فتيلها، ونزع ذلك الفتيل لا يكون إلا بإزالة الآخر والقضاء وعليه، وتحقيق كل فرد لما يؤمن به في واقع حياته، أو كما يقول شكسبير في إحدى مسرحياته “نكون أو لا نكون”.


أما الفيلسوف الإنجليزي “أشعيا برلين” فيرى أن التصادم القيمي صفة إيجابية، ذلك أن العالم الذي يكون فيه تعدد، هو أغنى وأفضل من العالم الذي لا تعدد فيه، لأن التعدد يفتح الباب أمام إمكانيات وسلوكيات مختلفة في الحياة ويزيد من نطاق الحريات.

وهو ما أدركه حتى بعض الحكام المسلمين قديما، فكتب الدكتور “مصطفى السباعي” في كتابه “من روائع حضارتنا” أنه في العصر العباسي بعد أن ترامت أطراف الدولة الإسلامية وتعددت الملل والفرق بها، كانت للخليفة المأمون حلقة علمية يجتمع فيها علماء الديانات والمذاهب كلها، وكان يقول لهم: ابحثوا ما شئتم في العلم، من غير أن يستدل كل واحد منكم بكتابه الديني.

وهنا نشير إلى ما ذكره الفيلسوف المغربي الدكتور “طه عبد الرحمن” في كتابه ” الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري” أنه كلما كان الاختلاف الفكري أشد، كلما كانت متطلباته الخلقية أكبر؛ ذلك أن الخلق المطلوب في التواصل الفكري مع المختلف معه يكون أدق وأرفع من الخلق المطلوب في التواصل الفكري مع المتفق معه؛ فالتخلق يزيد من سبل التواصل الفكري”.

وميز الدكتور طه هنا بين حالتين من الاختلاف الفكري، وهما الاختلاف الفكري اللين : وهو اختلاف بين أطراف اختارت طريق التعارف في التعامل الفكري بينها، وفي هذه الحالة يبحث كل طرف عما هو مفيد لدى الطرف الآخر، ويتلقى كل طرف من الآخر بقدر ما يلقي له، وهو ما يخلق حالة دينامكية من التفاعل والتواصل الخلاق.

أما الاختلاف الفكري الصلب، فهو اختلاف يقع بين طرفين اختارا طريق التعاون للتواصل الفكري بينهما، نظرا لأن التعاون لا يمنع من إتيان المنكر، وربما حكم العلاقة بينهما مبدأ التوصيل وهو أن يلقي طرف بأفكاره إلى الطرف الآخر، ولا يرغب في أن يتلقى منه شيئا، وبالتالي يفقد فكر أحد الطرفين اللين المطلوب في التواصل، ويتجه صوب التصلب الفكري، فيدعي أن لما يؤمن به اليد العليا، وأن قيمه تعلو على قيم الطرف الآخر.


وتأخذ تلك الحالة الاستعلائية في التواصل الفكري درجات متعددة تبدأ بالتعصب الفكري، فيرى طرف أنه يتمتع بالمشروعية الفكرية والآخر مسلوب منها، وهو ما يخلق حالة من التسلط الفكري، فلا يكتفي الطرف المستبد بإبداء التطرف في أحكامه وأفعاله، بل يسعى لفرضها على الطرف الآخر ويسعى للهيمنة عليه فكريا، تمهيدا لأن يجعله منقادا له، ثم تأتي مرحلة الإقصاء الفكري، فيسعى الطرف المستبد إلى أن ينزع عن فكر الطرف الآخر “الفائدة” أو “المعقولية” أو “الإبداع”، ويتهجم على ما عند الآخر ويصفه بكل قبيح مثل: التشدد، التطرف، الجهل، الظلامية، التكفير، وهو ما يمهد لمنعه من أي دور في بناء فكري مشترك.

والواقع أن هذا التصلب الفكري لا يقتصر على الجانب التصوري، بل يتعداه إلى الجانب الأخلاقي والسلوكي بين المختلفين فيتصلب الوجه وتصبح اللغة عنيفة، ويسعى كل طرف للخلاص من الآخر باعتباره الجحيم، لكن ظروف الواقع وقوانينه تعوق عملية التخلص والتطهير الفكري، فيلجأ إلى جانب الإملاء وحجب الآخر وتنمطيه، بل وشيطنته تمهيدا لنزع الحقوق التي من المفترض أن يتمتع بها.

ثم يأتي الإنكار للآخر ونفي المشروعية عنه وتحقيره وتبرير ما يقع عليه من ظلم وغبن بل التحريض عليه والاستهتار بوجوده وكينونته، ويسعى هذا الفكر ليكون فكرا أحاديا في الفضاء العام المجتمعي.

 المصدر : www.islamonline.net

إقرأ 8134 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 25 أيلول/سبتمبر 2012 08:32
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed