طباعة

جيل الماوس والموبايل والريموت كونترول

Posted in آباء وأبناء

 

بالأمس القريب زارنى رجل عصامى شريف له رأى فى موضوع الموبايل بأنه خرب البلد لأنه يشكل استنزافا للموارد بلا أى معنى أو فائدة إلا المنظرة الكاذبة والفارغة , فقال لى فى سخرية تملؤها المرارة : " لقد قررت المساهمة فى حملة السفه العام " ... قلت له كيف ؟ ... قال لقد اشتريت لكل طفل من أطفالى " موبايل " ..... قلت متعجبا : ولم ؟ .... قال لأحميهم من سخرية زملائهم حيث لم يعد أحدا من زملائهم بلا موبايل إلا هم , وقد أصيبوا فى الفترة الأخيرة بنوبات اكتئاب ونوبات غضب , وأصبحوا يكرهوننى ويعتبروننى أب فاشل بالمقارنة بآباء زملائهم من حملة الموبيلات وكروت الشحن وخطوط البيزنس .

وكنت أجلس مع صحفيا ثائرا فسألنى : بماذا تفسر من الناحية النفسية هذا الموات الشعبى أمام الأوضاع المحلية والعالمية ؟ ... لقد كنا فى شبابنا نهز الدنيا لأحداث أقل من هذا بكثير !!... فقلت له : إبحث عن الماوس والموبايل والريموت كونترول ( كن قديما كلما حدثت مشكلة نقول : إبحث عن المرأة ) !!!! فالشباب ياسيدى يسير فى شوارعنا العربية مسرعا جدا هذه الأيام ليصل إلى بيته فى أقرب وقت كى يلحق بالمنتدى على النت أو " "يشيت" مع صديقه أو صديقته أو يلحق بمباراة كرة القدم المنقولة على الهواء مباشرة , وبالتالى فليس لديه وقت ليتابع الأحداث التى تهمك أنت وتهم جيلك البائد الذى لايجيد التعامل مع وسائط الإتصالات العالمية . فرد علىّ مستنكرا : " يبدو أنك متشائم كثيرا ... مازال هناك شباب كثيرون يتفاعلون مع الأحداث ... ألم تراهم فى الجامعة يتظاهرون ضد احتلال العراق واحتلال فلسطين ؟؟ " .... قلت له : " هؤلاء فئة قليلة مازالو على العهد , وبعضهم لديه التزامات أو ارتباطات ببعض المجموعات السياسية أو الدينية .... ومع هذا سرعان ما ينفض جمعهم دون تأثير يذكر " .... فقام الصحفى وهو يغلى من الغيظ منى ومن القطع الإلكترونية الثلاث : الماوس والموبايل والريموت كونترول .

وهذه القطع الإلكترونية الثلاث قد أدت إلى نوع من التفكير السحرى , فمن يستخدمها يتصور أن الأشياء تتحقق بمجرد تحريك الماوس على الشاشة أو اللعب فى أزرار الموبايل أو اللعب بالريموت كونترول , فهذه الأشياء لاتحتاج إلى حركة أو سعى فكل ما تريده يتحقق بمجرد تحريك إصبعين أو ثلاثة  وأنت جالس مكانك , فهى تحقق الحكمة القائلة : " إن الله يرزق الهاجع والناجع والنائم على صرصور ودنه ", وهى بذلك تعيد للأذهان فكرة مصباح علاء الدين السحرى وفكرة صندوق الدنيا . ومع استمرار استخدام هذه الوسائل ينسى الشاب أو المراهق قوانين الحركة والسعى فى الحياة ويطلب ذلك من والده أو والدته فيكفيه هو أن يعبث بأصابعه فى هذه الأجهزة لتفتح له الدنيا أبوابها وتطلعه على فرص استهلاكية واستمتاعية هائلة , ولا يبقى أمامه غير الضغط على أبيه ( كما يضغط على الأزرار ) لكى يشترى له ما وعدته به هذه الآلات الساحرة , والأب هنا يمثل " الجنى " الذى يظهر بعد " دعك " مصباح علاء الدين ليقول فى صوت جهورى مع قهقهة عالية : " شبيك لبيك عبدك وخد ّامك بين إيديك " . وهكذا أصبحت أحلام الشباب تتحقق من خلال آبائهم وليس من خلال عملهم واجتهادهم , وأصبح الفشل فى تحقيق الأحلام مرتبطا بتراخى الأب وكسله وقلة حيلته وضعف مهاراته الإجتماعية , أما الشاب فقد قام بواجبه كاملا حين ضغط على الأزرار ولكن الجنى ( خادم المصباح أو خادم الأزرار )  كان كسولا فلم يحقق المطلوب .

وجاءنى أب يشكو متألما : لم أعد أرى وجوه أبنائى !! ... قلت له : كيف ؟ ... قال : كلما دخلت غرفة أو صالة وجدت أحدهم ميمما وجهه شطر شاشة كومبيوتر أو شاشة تليفزيون , ولا أرى منه إلا ظهره وقفاه !!!...... فقلت مستفسرا ( ومستفزا ) : لعلهم يستزيدون ثقافة وعلما من هذه الوسائط التكنولوجية الحديثة ؟؟؟ ..... فرد وقد ازداد غيظا : أبدا يا دكتور إنهم يشاهدون قنوات الأغانى والفيديوكليب أو " يشيتون "  مع أصدقائهم على " النت " .. أو يبعثون  "مسجات" (رسائل)  على الموبايل .. وكلما حاولت التحدث إلى أحدهم هب فى وجهى ثائرا غاضبا ومعنفا . وهنا تذكرت نتائج البحث الذى تم فى أمريكا على 7000 طفل وتتبعهم لمدة 17 سنة حتى وصلوا إلى مرحلة المراهقة , وكانت نتيجته أن الأطفال الذين يجلسون أمام التليفزيون ثلاث ساعات يوميا تزيد حدة العنف لديهم 5 مرات مقارنة بمن يجلسون فترات أقل , وتذكرت أيضا ذلك البحث الذى تم على عينة من الشباب المصرى الذى يرتاد أندية الإنترنت حيث تبين أن 2% منهم فقط يستخدمون الإنترنت فى أغراض علمية فى حين يستخدمه الباقون ( 98% ) لأغراض ترفيهية واستمتاعية ) ..... عندئذ قلت : يارب سلّم .

 

 المصدر : www.hayatnafs.com

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed